لبنان في عصر ترامب: تحويله إلى نموذج الضفّة
لبنان في عصر ترامب: تحويله إلى نموذج الضفّة
الأسماء المعلن عنها لتشكيل فريق عمل إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تدعو إلى الفزع. وستُظهر حجم حالة الوهن العربي وانعدام تأثيره أو صوابية توجهاته للعمل ضمن مجموعات الضغط العاملة في الولايات المتحدة الأميركية. أما الثمن وإذا كان سيُدفع داخل أميركا في سياق الإجراءات اليمينية المتشددة والعنصرية، فإن ثمناً آخر سيُدفع في المنطقة العربية ككل. كل الأسماء التي يتشكّل منها فريق ترامب، توحي بأن الرجل يريد تلزيم المنطقة لإسرائيل، وفرضها وصيّة أمنية، عسكرية، سياسية، واقتصادية على دول المنطقة ككل، خصوصاً أن كل مشاريع الاستثمار أو الازدهار الموعودة ستكون مرتبطة بمدى التقرّب من إسرائيل أو الدخول في شراكة معها.
المخاطر المقبلة
ذلك لا ينفصل، عن اختيار كبار المؤيدين للمشاريع التوسعية والاستيطانية الإسرائيلية في فلسطين، للقضاء على القضية الفلسطينية. تكفي تصريحات وزراء في الحكومة اليمينية المحتفية بالأسماء التي ستتولى مناصب مهمة في إدارة ترامب، لاستشعار حجم المخاطر المقبلة على المنطقة، في سياق مسار أميركي إسرائيلي متكامل لإعادة صناعة توازنات سياسية جديدة. ذلك ما ينتظره كثيرون ربما في الدول العربية وحتى في لبنان، عبر انتظار حالة استضعاف لحزب الله عسكرياً وسياسياً، في مقابل ما يعتبرونه تحصيلاً للمكاسب في صالحهم على حساب ما كان الحزب قد حقّقه، من دون الانتباه إلى أن المكسب الوحيد سيكون عائداً للمشروع الإسرائيلي في إضعاف كل هذه الدول وبناها الاجتماعية وتأثيراتها السياسية.
تقويض العرب.. وإيران
ومن منظار أوسع عن الزوايا اللبنانية الضيقة وحساباتها، فإن المشروع الإسرائيلي الأميركي الذي يبدو بوضوح أنه مشترك، على أن تتجلى هذه التشاركية أكثر مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض واكتمال عقد إدارته، سيكون في غاية الصعوبة معه العودة إلى أي صيغة من صيغ التوازن التي كانت قائمة سابقاً. صحيح أن بعض الدول التي كانت على خصومة تبلغ حدود العداوة مع إيران، ربما اليوم تستفيد من ضرب مشروع إيران وتحجيمها وتقويض نفوذها، وتقليص حالة انفلاشها في الشرق الأوسط، لكن ذلك يندرج ضمن مشروع كان قد استبق هذه المرحلة، بمحاولة لتقويض الدول العربية وأدوارها. وذلك لم يحصل إلا لتوفر إرادة غربية أو أميركية في ذلك، ولو أنهم يعتبرون أن ما جرى حدث بسبب طموح إيراني ومشروع تصدير الثورة من قبل طهران، فيما كانت واشنطن قد أطلقت جموح طهران لعنانه، بلا أي محاولة للجمه، لا في العراق، ولا في سوريا ولا في لبنان أو اليمن.
محاولة تقويض العرب سابقاً، ومحاولة تقويض إيران اليوم وضرب مشروعها، ليس الهدف منه تقوية المشروع العربي مجدداً، لا بل هدفه ضرب قوتين مركزيتين في الإقليم لصالح إعلاء شأن إسرائيل، ربما بما يتطابق مع عنوان كتاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عنوانه: “إسرائيل والعالم.. مكان بين الأمم”. هذا المكان لا يمكن لإسرائيل أن تأخذه إلا بمشاريع تقويض وإضعاف كل الدول المجاورة لها أو دول الإقليم كلها، وتكريس أمر واقع أن كل من لديه طموح لن يكون بإمكانه تحقيقه إلا من خلال إسرائيل وحدها.
إنهاء القضية الفلسطينية
ساهمت إسرائيل في توفير كل أشكال الدعم الانتخابي لدونالد ترامب للوصول إلى هذه اللحظة، وربما للوصول إلى هذا الفريق الذي يتم تشكيله في سبيل منحها كل ما تريد، ولا سيما عنوان “ضم الضفة الغربية” الذي سارع سموتريتش للدعوة إلى إعلانه. ومن يريد تحقيق ذلك لا يسعى إلى وقف للحروب، بل إطالتها ومواصلتها بدعم أميركي، لفرض أمر واقع عسكري وسياسي في المنطقة ككل، بما لا يبقي قدرة عربية أو فلسطينية أو لبنانية لرفض هذا المشروع أو مواجهته. ليس عن عبث تقول إسرائيل ومسؤولون أميركيون إنهم يريدون لهذه الحرب أن تكون الأخيرة. تريدها إسرائيل معركة أخيرة في فلسطين، ومعركة أخيرة في لبنان مهما طالت واستمرت وكانت خسائرها، وفق ما يفكر نتنياهو الذي تعاطى منذ اليوم الأول مع أسراه في غزة وفق عقيدة هنيبعل.
ليس عن عبث يكثف الإسرائيليون من عملياتهم العسكرية، ومن الغارات على كل المناطق في لبنان والتركيز على الضاحية الجنوبية لبيروت، بجولات نهارية وليلية من الغارات، بالإضافة إلى الإعلان عن الانتقال إلى المرحلة الثانية من العمليات البرية. وكل ذلك يأتي بالتزامن مع كميات كبيرة من الضخ الأميركي والإسرائيلي حول الأجواء الإيجابية للوصول إلى اتفاق لوقف الحرب على لبنان. علماً أن الشروط التي يطالب بها الإسرائيليون تبدو مستحيلة التطبيق في أي اتفاق سياسي. خصوصاً مسألة حرية الحركة العسكرية عندما تقتضي مصلحتهم، أو فرض رقابة برية وبحرية وجوية على لبنان. مثل هذه الشروط تتجاوز بكثير اتفاق 17 أيار (1983)، وتصل إلى حدود فرض وصاية عسكرية وأمنية وسياسية على لبنان.
لبنان ونموذج الضفة
ما أصبح واضحاً بالنسبة إلى اللبنانيين هو أن الإيجابية التي تتم إشاعتها من قبل الأميركيين والإسرائيليين تتعلق باتفاق مشترك بينهما، ومحاولة فرضه على لبنان بالقوة العسكرية لتطبيقه سياسياً. ولذلك لبنان يعلن بوضوح أنه لم يتسلّم أي ورقة أو مقترح من المقترحات التي جرى تسريبها. مما لا شك فيه أن هناك عدم إعلان صريح في إسرائيل عن الأهداف المراد تحقيقها في لبنان، فمنذ بداية العملية البرية كان الهدف المعلن هو إعادة سكان المستوطنات الشمالية، ووصفت العملية بالمحدودة، فيما بعد بدأت اللهجة تتغير أولاً لجهة توسيع نطاق العملية البرية، وتالياً صدرت تصريحات حول نزع سلاح حزب الله، أو تغيير الوقائع الأمنية والسياسية. كل ما هو مطروح إسرائيلياً، يعني تحويل لبنان إلى حالة مشابهة للضفة الغربية.
بالمعنى الفعلي، لا وجود لأي مؤشرات جدّية حول الوصول القريب إلى لحظة وقف إطلاق النار. فإسرائيل لم تحقق أهدافها حتى الآن على الرغم من الضربات التي وجهتها لحزب الله. بعض الإعلام الإسرائيلي المحسوب على نتنياهو يركز بشكل يومي على حجم العمليات التي ينفذها حزب الله ضد العمق الإسرائيلي، وأن الحزب لا يزال يتمتع بقدرة صاروخية عالية جداً. فذلك يهدف إلى إبقاء الرأي العام الإسرائيلي في حالة منسجمة مع الحرب وطول أمدها وحجم خسائرها.
يراهن نتنياهو على الاستفادة من الظرف الأميركي القائم حالياً للتصعيد أكثر في لبنان. وربما يراهن على ترامب لمساندته في فرض تغييرات جوهرية بالتوازنات، إما عسكرياً أو سياسياً. في المقابل، فإن ما يتلقاه لبنان من جهات ديبلوماسية غربية وعربية، يشير إلى التخوف الأكبر من “عصر ترامب” الذي يريد تكريس العصر الإسرائيلي في المنطقة وفي لبنان أيضاً. إحدى الرسائل المباشرة التي سمعها مسؤول لبناني كبير قبل أيام على لسان مسؤول دولي كبير تشير إلى وجوب أن ينأى لبنان الرسمي بنفسه عن إيران وعن حزب الله، لأن إسرائيل تعتبر نفسها بمواجهة مباشرة معهما، وأنه لن يكون بإمكان لبنان معاندة أو مواجهة أو معارضة أميركا، فالتأثير الأكبر تريد واشنطن أن تكون صاحبته إلى جانب إسرائيل.
منير الربيع – المدن