بين ترامب وهاريس: لا داعي للتفاؤل بشأن لبنان
بين ترامب وهاريس: لا داعي للتفاؤل بشأن لبنان
كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
بغض النظر عن النتيجة التي ستفضي إليها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية التي بالتأكيد ستترك تداعيات على المشهدين الدولي والإقليمي، فإنّه في حال فاز دونالد ترامب أو كامالا هاريس ليكون الرئيس الـ47 لأميركا خلال الأعوام الأربعة المقبلة، فإنّ ذلك لا يعني أن واشنطن ستباشر في حل الأزمات الموجودة في المنطقة بين ليلة وضحاها، أو انه ينتظر أن يطرأ أي تغيّر جوهري في السياسة الأميركية تجاه الخارج.
تأتي أهمية هذه الانتخابات التي من المتوقع أن يحتاج الإعلان عن نتائجها النهائية بضعة أيام ما لم تصدر اليوم من كونها هذه المرة تأتي في ظرف داخلي استثنائي حيث الكباش السياسي يبلغ الذروة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكذلك خارجي كون أن معظم الأزمات وحروب المنطقة تتأثر إلى حد كبير بنتائج هذه الإنتخابات التي تُعدّ مفصلية بالنسبة للشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
لا شك أن هناك مبالغة كبيرة لدى البعض الذي يراهن على إمكانية حدوث متغيّرات في ضوء نتائج هذه الانتخابات، لأنه كما هو معلوم فإن الثوابت الأميركية تجاه ملفات المنطقة ثابتة لا تتغيّر بشكل جوهري إن كان الرئيس ديمقراطيا أو جمهوريا، إنما الذي يتغيّر هو أسلوب التعاطي مع هذه الملفات من قبل الرجل الذي يسكن البيت الأبيض، فعلى سبيل المثال عندما فاز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية استبشر العالم العربي خيرا من منطلق كون الرئيس الأسود يتحدّر من أصول أفريقية ووالده مسلم، غير أن سرعان ما تبيّن أن الرهان على وصوله كان خاسرا حيث شهدنا تشدّدا لا مثيل له في سياسته الخارجية وهو بدل أن ينحاز إلى جانب حل الدولتين في فلسطين المحتلة، وقف إلى جانب إسرائيل وبقي قيام الدولتين مجرد شعار، وخرج من البيت البيضاوي من دون أن يحقق أي تقدّم على مستوى العملية السلمية في الشرق الأوسط.
هذا المشهد سيتكرر مع الرئيس الجديد للولايات المتحدة فإذا فاز دونالد ترامب أو كامالا هاريس لن يتغيّر قيد أنملة على مستوى الثوابت الأميركية تجاه إسرائيل على الرغم من محاولة المرشحين غدق الوعود بوقف الحرب في لبنان وغزة ومحاولة إحياء مبدأ حل الدولتين، كون أن السياسة الخارجية الأميركية تتحكم بها عوامل كثيرة أبرزها اللوبي الصهيوني الذي يتحكم بالكثير من مفاصل الدولة لا سيما على مستوى المال والإعلام والاقتصاد، ناهيك عن أن إسرائيل فرضت نفسها على أنها حارسة المصالح الأميركية في المنطقة، وبالتالي من الممكن أن يحصل بين أي رئيس أميركي توتر أو فتور في العلاقة مع أي حكومة إسرائيلية على غرار ما حصل بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو حيث بقي الخلاف موضعي وظرفي، لكن في المقابل الدعم السياسي والمادي والعسكري الأميركي حيال إسرائيل لم يتأثر، وهذا ان كان يدلّ على شيء فإنه يدلّ على أن الرهان على أي تغييرات جوهرية في العلاقة الأميركية والإسرائيلية هو مجرد سراب ووهم، كون ان السياسة الأميركية تقليديا تتسم بالدعم القوي لإسرائيل، ولكن كما أسلفنا ذكره فان هذه السياسات تختلف بين الإدارات الديمقراطية والجمهورية، وهذا ما يعول عليه البعض في حال فازت هاريس التي تتمتع وفق المعلومات بخبرات جيدة في مجال السياسات الخارجية جراء عضويتها في لجنة الاستخبارات والأمن الداخلي في مجلس الشيوخ مما أتاح لها الوصول الى معلومات سرية ومثيرة للجدل في سياسة الأمن القومي الأميركي.
من هنا فإنّه من المستبعد أن يكون الرئيس الجديد للولايات المتحدة مختلفًا كثيرًا في المواقف عن أي رئيس سبقه بالنسبة للصراع العربي – الإسرائيلي، وهذا ينسحب أيضًا في الموقف من الحرب على غزة ولبنان، عدا الاختلاف في المنهج والوسيلة في التعامل مع هذا الصراع التي تنحاز فيه واشنطن الى جانب تل أبيب بالكامل.
انطلاقا مما تقدّم فان الإفراط في التفاؤل من إمكانية وقف الحرب على لبنان بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية هو في غير محله، ولا سيما أنّ تنصيب الرئيس الجديد موعده في العشرين من كانون الثاني المقبل، وهو وقت كافٍ لكي يمضي نتنياهو في أعماله الإجرامية في لبنان وغزة متفلّتا من أي ضوابط أو ضغوط، وبدل أن تشخص العيون على هذه الانتخابات ونتائجها الأفضل أن تشخص باتجاه الميدان الذي تعود إليه كلمة الفصل في ظل التعثّر الدبلوماسي لوقف الحرب.