بعد خسارته في انتخابات 2020، أعاد دونالد ترمب فرض سلطته داخل الحزب الجمهوري من خلال تعزيز علاقاته مع قاعدته واستغلال الأزمات لجذب الدعم، ورغم الانتكاسات القضائية المستمرة، يبرز ترمب مجدداً وبقوة، فكيف حقق ذلك؟

#أميركا_تقرر_والشرق_الأوسط_تتابعتحول غير عادي

ستنتهي محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ بالبراءة؛ حيث صوّت معظم الجمهوريين – بما في ذلك بعض المنتقدين الصريحين له – ضد الإدانة التي كان من الممكن أن تؤدي إلى منع الرئيس السابق من تولي منصب انتخابي في المستقبل. وتخوف الجمهوريون من أن ينشئ الرئيس السابق حزباً جديداً يسحب الدعم من حزبهم.

 

وبحلول نهاية فبراير (شباط) 2021، ومع انحسار ضجة السادس من يناير (كانون الثاني)، كان ترمب مستعداً لعقد أول حدث عام له وهو مؤتمر العمل السياسي المحافظ؛ حيث ظهر أن الرئيس السابق لا يزال يحظى بولاء القاعدة الجمهورية مع استمتاعه بابتهاج الآلاف من أنصاره؛ إذ ألمح أمامهم إلى أنه قد يهزم الديمقراطيين في عام 2024.

 

وأكّد استطلاع للحاضرين في المؤتمر ما كان واضحاً في ذلك الوقت؛ حيث قال 68 في المائة من المشاركين إن ترمب يجب أن يترشح مرة أخرى، وقال 55 في المائة إنهم سيصوتون له في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري كمرشح للرئاسة.

 

وبعد توقف قصير، أعاد ترمب تنشيط حياته السياسية بدفقات مستمرة من رسائل البريد الإلكتروني لجمع التبرعات من المؤيدين كما استأنف عقد تجمعاته الخارجية «الشبيهة بالكرنفال»، وفق «بي بي سي».

 

وحول هذا التحول غير العادي، يقول بريان لانزا، الذي كان مستشاراً سياسياً للرئيس السابق منذ عام 2016، «لقد سقط (ترمب) أرضاً ثم نهض بتركيز مضاعف… لا أعتقد أن أحداً يجب أن يتفاجأ بهذه العودة».

 

صعود وهبوط

إذا كان عام 2021 يشير إلى استمرار نفوذ ترمب داخل الحزب الجمهوري، فإن الانتخابات النصفية لعام 2022 أكدت ذلك، فأربعة من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين الستة الذين صوتوا لصالح عزل ترمب وكانوا يترشحون لإعادة انتخابهم، تعرضوا للهزيمة من قبل المرشحين المدعومين من ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب. وفي الوقت نفسه، تقدم مرشحو مجلس الشيوخ في الانتخابات التمهيدية بفضل دعم ترمب.

 

وقال بريان سيتشيك، الذي عمل مديراً لحملة ترمب في ولاية أريزونا عام 2016، إن «تأييده يضمن لك فوزاً أساسياً»لكن، إذا كان النصف الأول من عام 2022 بمثابة خطوات جيدة للرئيس السابق، فإن انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) رسمت صورة مختلفة كثيراً. فمن بين 4 مرشحين بارزين في مجلس الشيوخ يدعمهم ترمب، هُزم واحد فقط. وبينما استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب بفارق ضئيل، كان أداء الحزب ضعيفاً إلى حد كبير واحتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ.

 

استشاط ترمب غضباً، وألقى اللوم في تراجع الحزب الجمهوري على دعم الحزب لقيود الإجهاض التي لا تحظى بشعبية و«عدم الولاء الكافي لعلامته الشعبوية المحافظة». وبعد أسابيع قليلة فقط من الانتخابات النصفية، عندما كان النقاد لا يزالون يتساءلون عما إذا كانت اللحظة السياسية للرئيس السابق قد انتهت، أطلق ترمب رسمياً حملته الرئاسية لعام 2024.

 

وحسب «بي بي سي»، جاء الإعلان الرسمي لإطلاق الحملة في توقيت غير مناسب وجعل الحملة تبدو منعزلة وغير مناسبة للواقع السياسي الراهن حينذاك. وتلقى فريق ترمب زخماً «من مصادر غير متوقعة»؛ المدعين العامين في نيويورك وجورجيا، ووزارة العدل في واشنطن العاصمة.

 

اتهامات ومحاكمات

وجد ترمب نفسه ملاحقاً لاحتفاظه بوثائق سرية في مقر إقامته الخاص بمنتجع «مارالاغو»، ووجد مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث في أغسطس (آب) 2022 داخل مقره عن «وثائق الأمن القومي الحساسة»، وبلغ الأمر ذروته بسلسلة من لوائح الاتهام في عام 2023، وأصبح خطر الاتهامات الجنائية «قضية مركزية» في معركة الترشح للانتخابات الرئاسية.

 

وفي مارس (آذار) 2023، وجد ترمب نفسه أمام لائحة اتهام جديدة في نيويورك تتعلق بـ«دفعات مالية» دفعها الرئيس السابق لإسكات نجمة أفلام إباحية «لإسكاتها» عن فضح علاقتهما.

 

لكن بحلول خريف عام 2023، كان ترمب قد حقق «تقدماً هائلاً» في معظم استطلاعات الرأي الأولية للحزب الجمهوري، وانتهت المعركة التمهيدية للحزب سريعاً، وترشح ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية الثالثة على التوالي.

 

ربما كانت الدراما التي تعرض لها الرئيس السابق في قاعات المحكمة بمثابة «نعمة لرصيده السياسي»، لكنها جاءت أيضاً مصحوبة بخطر قانوني حقيقي. ففي مايو (أيار) 2024، أدانت هيئة محلفين في مانهاتن ترمب بـ34 تهمة جنائية تتعلق بدفع أموال سرية لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز ومع ذلك، يبدو أن كل انتكاسة قضائية يتبعها نصر أكبر. فقد تم تأجيل الحكم عليه إلى ما بعد الانتخابات، وتم تجاهل لوائح الاتهام الخاصة بقضية الوثائق السرية في فلوريدا، وقضت المحكمة العليا بأن الرؤساء يتمتعون بحصانة شاملة فيما يتعلق بالأعمال الرسمية.

 

الثلاثاء الحاسم

خارج قاعات المحكمة، كانت حملة ترمب تنتقل من فوزه بترشيح الحزب إلى المواجهة في الانتخابات العامة. وأدى الأداء المتعثر والمرتبك للرئيس جو بايدن في مناظرتهما الأولى في أواخر يونيو (حزيران)، إلى إصابة الديمقراطيين بحالة من الذعر التام.

 

وكانت معدلات تأييد ترمب وأرقام استطلاعات الرأي المباشرة في ارتفاع مستمر. وبعد إصابته بـ«رصاصة قاتل» في ولاية بنسلفانيا في منتصف يوليو (تموز)، وصل ترمب إلى المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي في اليوم التالي باعتباره «بطلاً لا يُقهر» في نظر أنصاره، وكان الفخر الجمهوري بترمب في ارتفاع.

 

وفي تلك اللحظة، بدا الأمر وكأن عودة ترمب إلى البيت الأبيض «شبه محسومة». لكن، بعد 3 أيام من قبول ترمب رسمياً ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، تخلّى بايدن عن محاولة إعادة انتخابه وأيّد نائبته كامالا هاريس.

 

وفي غضون أسابيع قليلة، عزّزت هاريس أرقام حزبها، وضخّت حماساً جديداً في صفوف الديمقراطيين، بل وتقدمت على الرئيس السابق في بعض استطلاعات الرأي المباشرة.

 

والآن، ومع بقاء ساعات على يوم الانتخابات (الثلاثاء)، تتقارب الأرقام في استطلاعات الرأي بين ترمب وهاريس، فهل يتمكن الرئيس السابق من تحقيق «عودة مظفرة» أم تنتهي رحلته السياسية؟

Share.
Exit mobile version