العلاقات العربية – الصينية.. نحو مجتمع ذى مصير مشترك
شهدت العلاقات العربية الصينية تطورا كبيرا خلال العقدين الأخيرين، بخاصة كنتيجة لجهود منتدى التعاون الصينى – العربى سواء على المستوى الوزارى أم على مستوى أذرعه المختلفة. وقد واصلت الصين وعدد كبير من الدول العربية العمل على تسريع وتيرة تنفيذ مخرجات القمة الصينية – العربية الأولى التى عقدت فى 9 ديسمبر 2022، لدفع العلاقات الصينية – العربية نحو مستقبل أفضل وآفاق أوسع، بغاية إقامة مجتمع عربى – صينى ذى مصير مشترك.
وبمناسبة الذكرى الـ20 لتأسيس منتدى التعاون الصينى – العربى، عقدت الدورة العاشرة للاجتماع الوزارى للمنتدى فى بكين فى نهاية مايو الماضى، بمشاركة قادة أربع دول عربية هى: مصر والإمارات والبحرين وتونس، ووزراء خارجية ومسئولون من دول عربية أخرى، إلى جانب المسئولين الصينيين وعلى رأسهم الرئيس شى جين بينج، وذلك لمناقشة سبل تعزيز العلاقات العربية الصينية. وقد اعتمد المنتدى «إعلان بكين»، وخطة تنفيذ توصيات المنتدى 2024 – 2026، وبيانا مشتركا بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية.
ورسم إعلان بكين «المسار العملى لتعزيز بناء مجتمع ذى مصير مشترك بين الصين والدول العربية». كما جدد التأكيد «على أن الصين والدول العربية ستواصلان دعم بعضهما بعضا فى المصالح الأساسية، وتعميق التعاون العملى، وتوضيح مواقفهما المشتركة بشأن الحل السياسى للقضايا الإقليمية الساخنة، والحوار بين الحضارات، والحوكمة العالمية، ومكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، والذكاء الاصطناعى، وتغير المناخ وما إلى ذلك».
تواصل الصين والدول العربية تعزيز التعاون الاستراتيجى، إذ تدعم الدول العربية الجهود التى تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية، وتلتزم دائما بمبدأ الصين الواحدة. فى المقابل، تدعم الصين جهود الدول العربية لتعزيز الاستقلال الاستراتيجى والحفاظ على سيادتها، ولتسوية النزاعات بالحوار والتشاور.
وقد وقعت الصين مع الدول العربية كلها، ومع جامعة الدول العربية، وثائق تعاون لتعزيز مبادرة «الحزام والطريق». ونفذ الجانبان ما يزيد على 200 مشروع كبير فى إطار هذه المبادرة، يستفيد منها نحو مليارى نسمة فى الجانبين.
ويشهد التعاون الصينى – العربى تقدما بارزا فى مجالات الطاقة والمالية والبنية التحتية وغيرها. فقد استوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية فى العام 2023، ما يوازى 47 فى المائة من إجمالى وارداتها الخارجية من النفط الخام.
كذلك، يتقدم التعاون الصينى – العربى فى مجالات الطاقة الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية للأغراض المدنية، والطاقة الهيدروجينية.
كما تدخل العملة الصينية إلى الدول العربية بشكل متسارع؛ إذ وقعت الصين اتفاقيات تبادل العملات المحلية مع مصر والإمارات والسعودية.
وفى ميدان البنية التحتية، بنت الصين المبنى الذى يسميه المصريون «الهرم الجديد» فى العاصمة الإدارية المصرية الجديدة، وهو الأعلى فى إفريقيا؛ والطريق التى تربط شرق الجزائر بغربها ويتجاوز طولها 1200 كيلومتر؛ واستاد «لوسيل» فى قطر الذى كان الملعب الرئيس لتصفيات كأس العالم لكرة القدم عن العام 2022؛ وجسر محمد السادس فى المغرب، أكبر جسر معلق فى إفريقيا.
كما حقق التعاون الصينى – العربى نتائج مثمرة فى مجالات المعلومات والاتصالات والطيران والفضاء والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعى، ونظام «بيدو» للملاحة من خلال الأقمار الاصطناعية، والبحوث الدولية لمكافحة الجفاف والتصحر. وأسهم هذا التعاون المعرفى فى بناء شبكة متطورة لنقل التكنولوجيا والتعاون، تربط مؤسسات البحوث العلمية والشركات الابتكارية الصينية بمثيلاتها العربية.
التبادل التجارى
أصبحت الصين أكبر شريك تجارى للدول العربية لسنوات عديدة متتالية. ارتفع حجم التبادل التجارى بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار أمريكى فى العام 2004 إلى 398.1 مليار دولار أمريكى فى العام 2023، أى بزيادة 10 أضعاف. منذ زمن طويل، تشكل واردات الصين من النفط الخام من الدول العربية نصف مجموع وارداتها من العالم حيث سجلت 260 مليون طن فى العام 2023. كما أجرى الجانبان التعاون فى مجال الغاز والنفط بمجرياته الكاملة، حيث قاما بالتعاون بإنشاء مصفاة «ينبع» فى السعودية، ومشروع المجمع المتكامل للتكرير والبتروكيماويات فى مدينة بانجين فى مقاطعة لياونينج الصينية، ومشروع فوجيان المشترك والمتكامل للتكرير وإنتاج الإيثيلين، ومشروع الحقول البرية فى أبو ظبى وغيرها من المشروعات الكثيرة. كما قام الجانبان بتنفيذ عدد كبير من مشروعات التعاون فى مجال الطاقة الجديدة مثل مشروع مدينة البحر الأحمر الجديدة لتخزين الطاقة فى السعوديّة، ومحطة «حصيان» لتوليد الطاقة فى دبى ومجمع بنبان لتوليد الطاقة الشمسية فى مصر.
وهنالك مشروعات تعاون مشترك فى منطقة «تيدا» فى السويس فى مصر، ومنطقة جازان فى السعودية، والحديقة النموذجية فى الطاقة الإنتاجية فى الإمارات، والمدينة الصناعيّة الصينية العُمانية فى منطقة الدقم.
الاتصالات
يزداد التعاون بين الجانبين بشكل مستمر فى مجالات ناشئة مثل الجيل الخامس لتكنولوجيا الاتصالات والفضاء والأقمار الصناعية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعى والطاقة الجديدة. وتم إنشاء المراكز الصينية العربية للنقل التكنولوجى وللطاقة النظيفة ولنظام «بيدو» للأقمار الصناعية وللدراسات الدولية فى الجفاف والتصحر وتدهور الأراضى الصالحة للزراعة.
يُعتبر مركز التميز الصينى العربى «بيدو» الذى أنشئ فى تونس أول مركز خارج الصين لنظام «بيدو» للملاحة عبر الأقمار الصناعية، ويعد القمر الصناعى ألكوم سات-1 الجزائرى أول قمر صناعى للاتصالات أطلقته الصين لمصلحة دول الشرق الأوسط والدول العربية، ويمثل ميناء صحار الذكى 5G فى سلطنة عُمان أول ميناء ذكى فى منطقة الشرق الأوسط. وتم بناء ما يقرب من 1000 محطة قاعدية لـ 5G فى الكويت، الأمر الذى جعل الكويت أوّل دولة فى منطقة الشرق الأوسط تغطّى شبكة 5G كامل أراضيها. ويوفر العديد من أقمار فينجيون للأرصاد الجوية خدمة الرصد الجوى للدول العربية من خلال الاستشعار عن بُعد على مدار الساعة.
التعاون المالى
حققت الصين والدول العربية تقدما كبيرا فى التعاون المالى والتسهيلات التجارية والاستثمارية؛ إذ تُعد رابطة البنوك الصينية والعربية التى تم استحداثها بمبادرة بنك التنمية الصينى، أول آلية متعددة الأطراف للتعاون بين المؤسسات المالية الصينية والعربية؛ ولغاية نهاية العام الفائت 2023، كان بنك التنمية الصينى قد وفر دعما لـ 99 مشروعا فى الدول العربية من خلال إصدار قروض بقيمة 17.189 مليار دولار أمريكى. ووقع بنك الشعب الصينى اتفاقيات ثنائية لمبادلة العملات المحلية مع كل من البنك المركزى السعودى والبنك المركزى المصرى والمصرف المركزى الإماراتى. وأَصدرت مصر بنجاح سندات «الباندا» بقيمة 3.5 مليار يوان صينى. كما أنشأ البنك الصناعى والتجارى الصينى ومصرف قطر المركزى مركز المقاصة وتسوية المعاملات باليوان الصينى، وقد تجاوز مبلغ التسوية الإجمالى لغاية الآن 400 مليار يوان صينى.
آليات التواصل الثقافى
من بين آليات التعاون الـ19 فى إطار المنتدى، ثمة 11 آلية تتعلق بالتواصل الشعبى والثقافى، وأقيمت 16 دورة تدريبية شارك فيها 500 مسئول حكومى وأكاديمى وإعلامى عربى، وتم قبول 65 طالبا عربيا فى إطار مشروع إعداد المترجمين من وإلى اللغة الصينية.
وتشهد الدول العربية إقبالا على تعلم اللغة الصينية. وفى العام الفائت 2023 كان قد تم إدراج اللغة الصينية فى المناهج الدراسية الوطنية بشكل رسمى فى 6 دول عربية هى: الإمارات والسعودية وفلسطين ومصر وتونس وجيبوتى، وقامت الصين بإنشاء 21 فرعا لمعهد كونفوشيوس بالتعاون مع 13 دولة عربية، وأقامت علاقات التوءمة مع 47 مدينة فى 13 دولة عربية.
يقول وزير الخارجية الصينى وانج يى: «يتلاقى توجه الصين غربا مع توجه العرب شرقا، فبكين عازمة على العمل مع الدول العربية لتعزيز مبادرة «الحزام والطريق»، وعلى ترسيخ التعاون الثنائى فى مجال الطاقة. كما ترحب الصين بالدول العربية لزيادة الاستثمار فى التنمية الصينية، وتدعم فى الوقت نفسه الجانب العربى فى تنفيذ مشروعات أنموذجية».
خلاصة القول، إن هذا النجاح الملحوظ فى بناء المجتمع الصينى – العربى للمستقبل المشترك يظهر أنه يتماشى مع رغبات الصينيين والعرب وتطلعاتهم، ويتفق مع المصلحة المشتركة للجانبين، وستكون له آفاق واعدة ومستقبل مشرق.