وقائع سياسية وميدانية تبدّد التفاؤل
كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
بشكل مفاجئ طغت أجواء إيجابية على مسار المفاوضات لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان مع وصول المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى تل أبيب برفقة مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك. وجرى تسريب مسوّدة لاتفاق محتمل حول وقف النار في لبنان، إضافة إلى ورقة مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول ضمانات أمنية تقدمها واشنطن لتل أبيب.
وتقول المسوّدة، إن الاتفاق سيتم تنفيذه على مدى فترة 60 يوماً على أن تسحب إسرائيل جميع قواتها من لبنان على مراحل لا تتجاوز 7 أيام بعد إعلان وقف إطلاق النار. وسينسحب حزب الله من الجنوب على أن ينتشر الجيش اللبناني ليصل عديده إلى 10 آلاف جندي، كما ستنشئ آلية مراقبة وإنفاذ خلال هذه الفترة لحل النزاعات والتعامل مع الانتهاكات المزعومة. أما الورقة المشتركة بين واشنطن وتل أبيب فتنص على أن الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل سيكونان المجموعتين المسلحتين الوحيدتين المنتشرين في جنوب لبنان، وستفرض قيود على بيع وتوريد وإنتاج السلاح في لبنان ومراقبة شديدة براً وبحراً لأي عمليات استيراد الأسلحة.
ويشير الاتفاق الجانبي إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بتعيين ضابط عسكري أميركي كبير ومسؤول كبير في الأمن القومي الأميركي لرئاسة آلية المراقبة، وأن تل أبيب وواشنطن ستتبادلان المعلومات الاستخباراتية بشأن الانتهاكات المشتبه بها. وتعترف واشنطن بأن إسرائيل قد تختار التحرك ضد الانتهاكات إذا فشل الجيش اللبناني واليونيفيل في القيام بذلك، على أن تُستشار بشأن أي ضربة إسرائيلية في لبنان. كما تنص على أن الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان ستكون لأغراض استخباراتية فقط «ولن تكون مرئية للعين المجردة إلى الحد الممكن» ولن تخترق جدار الصوت.
تعاطى لبنان الرسمي بحذر مع الأجواء الايجابية، لكنه تلمّس بعض المؤشرات الجدية لدى الأميركيين بمجرّد الإعلان عن زيارة هوكستين وماكغورك فيعتبر اللبنانيون أن الحركة قد تفضي إلى تقدّم معيّن. في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى تشير إلى أن الزيارة تتصل بحسابات انتخابية أميركية محضة على مسافة أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية، وسعي الإدارة للوصول إلى تفاهم إما طويل الأمد أو مؤقت أو هدنة لأيام قليلة لتمرير الاستحقاق وتحسين الظروف الانتخابية خصوصاً في ولاية ميشيغان المتأرجحة حيث هناك جالية عربية وازنة. لذلك كثرت العروض حول اتفاقيات في غزة أو لبنان، ووضعت الكرة في ملعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإذا كان سيمنح الإدارة الأميركية هذه الورقة قبل أيام قليلة من اقتراع 5 تشرين الثاني.
ويرى مراقبون أن تسريب الإسرائيليين للشروط والمسودات هو محاولة إفشال مسبقة للمسعى الأميركي، خصوصاً أن بعض الشروط التي طرحت من المستحيل للبنان أن يقبل بها. فالاتفاق الذي يريده لبنان وتفاوض فيه مع هوكشتاين وتم التفاهم حوله يختلف كلياً عن الخطط المسربة، فلبنان وافق على تطبيق القرار 1701 من دون إضافات أو زيادات على آلية تطبيقه. وتؤكد مصادر رسمية لبنانية أن الاتفاق يضمن سحب سلاح حزب الله من جنوب نهر الليطاني ودخول الجيش واليونيفيل، والسيطرة على المنطقة مع تعزيز عديدهما، ومع صلاحية لليونيفيل حول مراقبة وتفتيش المواقع. وشدد الأميركيون في المقترح على ضرورة وجود مراقبين أميركيين لمتابعة آلية تطبيق القرار وتنفيذه، فيما هناك سعي من قبل لبنان ولا سيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لأن يشارك الفرنسيون أيضاً في آلية المراقبة إلى جانب الأميركيين.
بالنسبة إلى حزب الله الشكوك كبيرة جداً بنيات نتنياهو، ويعتبر الحزب أن الرهان الوحيد على إجبار نتنياهو على التراجع هو توجيه ضربات قوية له في الميدان، وهذا ما بدأت تظهر بوادره امس حيث قتل للمرة الأولى نحو 10 أشخاص في صواريخ أطلقها حزب الله على مناطق إسرائيلية مختلفة.