لم تنفع كلّ الوساطات حتى الآن في لجم الخلاف المُتمادي بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون. مع العلم أنّ تجربة قائد الجيش مع وزيرَي الدفاع السابقَين يعقوب الصرّاف والياس بو صعب لم يكن أفضل حالاً، لكن بالتأكيد لم تصل إلى هذا الحدّ من المواجهة المباشرة و”تكسير الرؤوس”.
آخِرة ترجمات هذه المواجهة إصدار قائد الجيش قراراً يعتبر فيه بطاقة تسهيل المرور الصادرة عن مديريّة المخابرات في الجيش بمنزلة ترخيص “حَمل سلاح” لحامِلها. يجزم قريبون من محيط القائد أنّ “الأمور وصلت إلى حدّها، وبتنا أمام حالة تمرّد وتمنّع عن تسيير أمور المؤسّسة العسكرية، وقرار قائد الجيش قانونيّ ومُلزِم”.
كما يشير هؤلاء إلى أنّ لوائح إسمية صادرة عن مكتب النائب جبران باسيل تعطى جميعها تراخيص حمل سلاح، فيما يعمد ابن شقيق الوزير سليم إلى بيع بعض التراخيص وهو الأمر الذي ينفيه وزير الدفاع جملة وتفصيلاً ويعتبره هجوماً حاقداً “بالشخصي” عليه.
الكتاب الذي وجّهه العماد عون في الثالث من الشهر الجاري إلى النيابة العامّة التمييزيّة والنيابة العامّة العسكرية وقادة الأجهزة الأمنيّة استناداً إلى قانون الأسلحة والذخائر لم يحدّد مهلة معيّنة تنتهي بعدها صلاحية القرار، مع العلم أنّ وزير الدفاع هو المخوّل إصدار قرار تمديد صلاحية تراخيص حمل الأسلحة أو تجميد مفاعيلها.
اعتراض أمنيّ على قرار “القائد”؟
أثار قرار قائد الجيش الكثير من التساؤلات ودفع بعض قادة الأجهزة إلى التلويح بإمكان عدم تنفيذه ربطاً باعتبارات أمنيّة.
يقول مصدر أمنيّ لـ “أساس”: “لا شيء أصلاً في القانون ينصّ على بطاقات تسهيل مرور التي تُمنح بعد تقديم سجلّ عدليّ. واليوم يَصدُر قرار يُخوّل حامِل هذه البطاقة حَملَ سِلاح يتطلّب ترخيص حَملِه بالعادة تقديم عدّة أوراقٍ إلزامية إلى وزير الدفاع، إضافة إلى “طلب النشرة” لكلّ طالب ترخيص”.
لكن في الغالب تتّجه الأجهزة إلى الالتزام بمضمون القرار إلا عند مخالفة القانون وحصول جرم، “حيث لن يعني قرارٌ كهذا شيئاً إذا كان حامِل البطاقة مُشتبهاً به أو قد يكون تجاوز القانون أو مُلاحقاً لأيّ سبب أمنيّ أو غيره”، على ما يقول المصدر.
وفق معلومات “أساس” تعتمد الأجهزة الأمنيّة بطاقات تسهيل مرور باستثناء “شعبة المعلومات” التي عمد رئيسها العميد خالد حمود مباشرة بعد تعيينه في آذار 2017 إلى إلغاء العمل ببطاقات “تسهيل المرور”، مع العلم أنّ هذه البطاقات كانت مرفقة بتحذير مفاده أنّ “حامِلها لا يُخوَّل حَمل أو نقل سلاح حربي تحت طائلة الملاحقة القانونية”.
الوزير و”مكتب القائد”
وفيما تتكتّم قيادة الجيش على خلفيّات صدور القرار، يؤكّد مطّلعون أنّه منذ اندلاع الخلاف مع وزير الدفاع برزت مشكلة تراخيص حمل السلاح، وذلك حين بدأ الأخير بحصر توقيع الطلبات الصادرة عن “مكتب القائد” بعدد قليل جدّاً، وهو ما شكّل عملاً تعطيليّاً مقصوداً دفع عون إلى اعتماد آليّة مختلفة.
لكنّ مصادر الوزير سليم تنفي “تعطيل عمل المؤسّسة العسكريّة”، موضحةً أنّ “كُثُراً لا يقفون عند الكلفة الماليّة العالية للتراخيص التي دفعت الوزير إلى تقنين منحها بشكل عامّ”، مؤكّدة أنّ “كلّ ما يُشاع أيضاً عن وقف توقيع بريد الجيش لا أساس له من الصحّة ومن باب ضخّ المعلومات المغلوطة ممّن اعتاد هذا النهج من النفاق”.
يُذكر أنّ وزير الدفاع أصدر في 9 كانون الثاني الماضي قراراً قضى باعتماد نماذج جديدة لتراخيص حمل الأسلحة (دبلوماسي – الغرفة العسكريّة – خاصّ – رسميّ – لولبيّ) لعام 2023 صالحة إلى نهاية العام.
تشكُّك قانونيّ
أكثر من ذلك تتشكّك مصادر وزير الدفاع في قانونية خطوة العماد عون، وتوضح قائلة: “قرار قائد الجيش غير قانوني لأنّ المادة 24 من قانون الأسلحة والذخائر التي استند إليها القرار تسمح لقائد الجيش بمنح ترخيص نقل الأسلحة المنصوص عنها في الفئة الرابعة الذي يُعطى لسنة واحدة ويجوز تجديده”.
المقصود بهذه الفئة، وفق المصادر، المسدّسات حصراً (ذات الأكرة أو المسدّسات الأوتوماتيكية)، والذخائر المحشوّة وغير المحشوّة المعدّة لهذه المسدّسات والأمشاط والمواسير والهياكل الخاصة بهذه الأسلحة وسائر قطعها المُنفصلة المُنجزة والمعدّة لتركيب هذه المسدّسات أو لتصليحها.
تضيف المصادر: “بالتالي لا يحقّ لقائد الجيش من خلال القرار الذي أصدره وعمّمه على المرجعيات المعنيّة منح ترخيص نقل بنادق (أيّاً كان نوعها)، لأنّ ذلك يدخل حصراً ضمن صلاحيّة وزير الدفاع وفقاً للمادة 25 من قانون الأسلحة والذخائر”.
وتنصّ المادة 25 على الآتي: “لا يُرخّص لأحد باقتناء أو حيازة أو نقل المعدّات والأسلحة والذخائر الداخلة في الفئتين الأولى والثانية إلا في حال اضطراب الأمن أو في الحالات المنصوص عليها في الفصل الثاني المتعلّق بصناعة هذه المعدّات وتجارتها وذلك ضمن الشروط المعيّنة فيه. وتُعطى الرخصة بناء على قرار من وزير الدفاع الوطني”.
هذا وتشمل الفئة الأولى، وفق قانون الأسلحة والذخائر، “الأسلحة والذخائر المعدّة للاستعمال فى الحرب البرّيّة أو البحرية أو الجوّية، وهي البنادق من جميع القياسات والعيارات والرشّاشات والبنادق الرشّاشة والغدرات الرشّاشة…”، إضافة إلى المدافع والقنابل.
أمّا الفئة الثانية فتشمل الوحدات المجهّزة بالأسلحة الناريّة أو المعدّة لاستعمال السلاح فى الحرب.
الخلاف سياسيّ
جدال قانوني بغلاف سياسي قد لا ينتهي قريباً مع تمسّك الطرفين بموقفهما. واقع الحال أنّه إذا ما جرى الاستناد إلى المادة 25 فإنّ حامل رخصة سلاح لمسدّس يكفيه ترخيص من قيادة الجيش (عبر بطاقة تسهيل المرور)، ومن يريد ترخيصاً لحمل بندقية يحتاج إلى ترخيص من وزير الدفاع. أمّا الترخيص لاقتناء الاثنين معاً فيحتاج حتماً إلى الترخيص الذي يُمنح منذ عام 1992 من وزير الدفاع حصراً.
يُذكر أنّ في السنوات الماضية لم يعد اللبنانيون يكتفون باقتناء مسدّسات وتوسّعت متطلّباتهم ربطاً بمناخات البلد إلى اقتناء بنادق. هذا إضافة إلى العدد الكبير من الأسلحة الموجودة اليوم “على عينك يا دولة” في بيئات محدّدة ليس في قاموسها ترخيص ولا وزير دفاع ولا قيادة جيش.
لكن بالمقابل يتبيّن أنّ المادة 25 لا تخوّل قيام وزير الدفاع بمنح ترخيص حمل البنادق “إلا في حالات اضطراب الأمن”، وليس هذا هو واقع الحال اليوم باعتراف كلّ الأجهزة الأمنيّة.
استعادة الصلاحيّة بعد 30 عاماً
في الوقائع، منذ عام 1992 تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء بـ “حلّ الميليشيات وإعادة توحيد الجيش وتنفيذ خطّة إعادة الانتشار وتسليم السلاح غير الشرعي”، أصدر وزير الدفاع آنذاك ميشال المر، خلافاً لقانون الأسلحة والذخائر، قراراً باعتبار حمل السلاح مقيّداً بالتراخيص الصادرة فقط عن وزارة الدفاع.
بقي الأمر على ما هو عليه مع جميع وزراء الدفاع المتعاقبين منذ أكثر من 30 عاماً إلى اللحظة التي أصدر فيها قائد الجيش جوزف عون قراراً استعاد من خلاله صلاحيّة تعود بالأساس إلى قيادة الجيش تسمح لها بمنح تراخيص حمل المسدّسات.
الجيش: وزير الدفاع تجاوز حدوده
وفق محيط قائد الجيش “خطوة العماد عون أملتها تراكمات في العلاقة مع وزير الدفاع تجاوز من خلالها صلاحيّاته في التعاطي مع قيادة الجيش ومدَّ يده إلى ما لا يدخل ضمن صلاحياته واعترض على ما لا يحقّ له الاعتراض عليه كتشكيلات الضبّاط ومناقلاتهم التي هي صلاحية حصرية لقائد الجيش وعطّل بريد المؤسّسة العسكرية و”إدارة” منح تراخيص الأسلحة، كلّ ذلك بما يتوافق مع أجندة الفريق السياسي الذي عيّنه وزيراً للدفاع”.