إصرار على قتل الـ1701

يصرّ لبنان على إعلانه التمسك بالقرار 1701. يندرج ذلك في إطار المهام الديبلوماسية والسياسية التي تضطّلع بها الحكومة ويرفضها العدو الإسرائيلي. بالنسبة إلى تل أبيب، فإن ما جرى هو الإطاحة الكاملة بهذا القرار، وليس فقط الحديث بتطبيق القرار 1559، بل العمل على فرضه بالقوة العسكرية، من خلال الإصرار على المضي في الحرب حتى تحقيق أهدافها، وفق ما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لا مؤشرات سياسية وديبلوماسية على إمكانية وقف الحرب، لا بل تنضم الولايات المتحدة الأميركية لدعم إسرائيل في عمليتها وتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الضغط على القوى اللبنانية لتغيير موازين القوى السياسية وهو لا يبدو متاحاً حالياً.

إسقاط الـ1701
تركيز العمليات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وبيروت الإدارية، والبقاع، هو أحد أبرز الدلائل على أن تل أبيب أسقطت القرار 1701 من حساباتها. وبدأت تتجه لتكريس أمر واقع جديد على الأرض، غايتها ضرب مخزون الأسلحة لدى حزب الله، وتفكيك بنيته العسكرية، ولا سيما الصواريخ البالستية والدقيقة، وبعضها موجود في البقاع، وفق ما تسرِّب وسائل إعلام إسرائيلية. لكن الأبعد من ذلك، وما هو غير معلن من قبل الإسرائيليين، هو الانتقال إلى مرحلة التصفيات ضد شخصيات أساسية في الحزب، وتمثّل مرتكزات في علاقات الحزب داخل لبنان وخارجه.

ضمن هذا السياق يمكن وضع عملية استهداف رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، وفيق صفا.

معنى استهداف صفا
بداية، اتخذت إسرائيل ذريعة من وجود صفا في منطقة النويري أو البسطة، لشنّ غارات عنيفة أدت إلى حصول مجزرة في وسط العاصمة بيروت، وفي أكثر الأحياء اكتظاظاً بالسكان. وذلك ينطوي على أكثر من رسالة أو مؤشر.

أولاً، دب الرعب في نفوس سكان العاصمة والمهجرين إليها، والقول إن لا مكان آمن.

ثانياً، جاء توقيت العملية قبيل وقف قصير من انعقاد جلسة مجلس الأمن الخاصة بلبنان، بناء على دعوة فرنسية، سعياً وراء استصدار قرار أو توصية تدعو إلى وقف النار، وهو ما أجهضته إسرائيل بعمليتها.
ثالثاً، إقفال الباب أمام أي نقاش حول الحلول الديبلوماسية.

رابعاً، الهدف من إعلان أو تسريب الإعلام الإسرائيلي لاسم الشخصية المستهدفة، بغض النظر عن نجاح العملية من عدمه. ولكن أن تقول إسرائيل إن المستهدف بالعملية هو وفيق صفا. والمعروف أن صفا هو صاحب العلاقات التنسيقية بين حزب الله وجهات عديدة داخل لبنان وخارج لبنان، وهو صلة وصل الحزب مع أجهزة أمنية أجنبية وعربية. وهو الذي كان لديه أدوار تفاوضية كثيرة. فأي جهة خارجية تريد التواصل مع الحزب يكون ذلك من خلال قناة وفيق صفا.

تغيير الوقائع
إذاً الهدف من العملية واضح جداً، وهو قطع أي صلة لحزب الله بالقوى الإقليمية والدولية، وإغلاق أي قناة اتصال. ما يدلّ على التمسك الإسرائيلي بمسألة “ضرب الحزب” أو إنهائه عسكرياً، على أن يُترجم ذلك بالمعنى السياسي من خلال تغيير الوقائع السياسية أو موازين القوى. علماً أن ذلك لا يزال غير مضمون ويتصل بمجريات المعركة الميدانية، وخصوصاً العملية البرية وإمكانية حزب الله للتصدي لها، لأن الحزب لا يزال يشير إلى أجواء إيجابية حول قدراته في الميدان البرّي.

محاولة اغتيال وفيق صفا، إشارة إسرائيلية إلى الانتقال نحو مرحلة جديدة من الاستهدافات قد لا تكون محصورة بشخصيات عسكرية أو أمنية داخل الحزب.

وذلك لا يمكن فصله عن الإصرار الإسرائيلي على مواصلة العملية البرية، وسط زيادة منسوب التحشيدات العسكرية في الجنوب، تمهيداً لهجوم برّي مختلف عن الهجمات التي حصلت في الأيام الماضية، والتي نجح حزب الله في مواجهتها والتصدّي لها، ووجه ضربات قاسية للقوى الإسرائيلية المتقدمة.

يركز الإسرائيليون نطاق عملهم على ثلاثة محاور، في القطاع الشرقي، والأوسط والغربي. يحاولون تثبيت نقاط، وإبراز صور لدخولهم إلى بعض القرى اللبنانية، كيارون أو مارون الراس، أو بليدا، وسط تقديرات عسكرية تفيد بأن الهجوم الإسرائيلي عندما سيبدأ بشكله المختلف أو الأوسع، فربما سيكون من المحاور الثلاثة بتوقيت واحد بهدف تشتيت قوة حزب الله الدفاعية.

الميدان الجنوبي
في الأيام القليلة الماضية تركزت الضربات الإسرائيلية على بلدات تعتبر في الخطّ الخلفي للجبهة، أو يمكن وصفها بأنها خط الدفاع الثاني، ومثل هذه البلدات خربة سلم، بئر السلاسل، قبريخا، دير عماص، محرونة، البازورية، وادي جيلو، عيتيت، جويا، المجادل، ديرانطار، الشهابية، كفردونين، بيت ياحون، كونين، شقرا، الجميجمة وصفد البطيخ. ويعمل الإسرائيليون على تركيز عملياتهم الجوية وغاراتهم على هذه القرى والمناطق، لإضعاف قوات الحزب البرية أو دفاعاته. كما أن هذه المناطق تعتبر خط إمداد أساسي للجبهة الأمامية. كل هذه المحاولات يحاول الإسرائيليون من خلالها إضعاف الخطّ الخلفي تمهيداً للتقدم.

يسعى الإسرائيليون في المرحلة الأولى من العملية إلى تثبيت نقاط في بعض القرى الأمامية والمحاذية للشريط، ويحاولون السيطرة على بعض التلال الكاشفة على مناطق أخرى. أما التركيز على الدخول إلى بلدة بليدا، فهدفه وصل منطقة سيطرتهم من بليدا بكفركلا والعديسة شرقاً، ومن بليدا إلى يارون ومارون الراس غرباً.

في المقابل، تشير المعطيات إلى أن حزب الله يمتلك الخطط اللازمة للتصدي لهذا الهجوم، ويعدّ العدّة اللازمة لإفشاله ولتكبيد الإسرائيليين خسائر كبيرة جداً.

منير الربيع- “المدن”

Share.
Exit mobile version