هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟

جاء في “الجمهورية”:

ماذا بعد؟ إلى أين سيصل الإجرام الإسرائيلي؟ وهل نحن مقبلون على حرب شاملة؟، هذه الأسئلة شغلت اللبنانيين في الأيام القليلة الماضية بحثاً عن أجوبة شافية، بعدما تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمر وانقلبت على «معادلة قواعد الاشتباك»، واتبعت استراتيجية محفوفة بالمخاطر، من خلال زيادتها حدّة هجماتها، في محاولة يائسة للضغط على «حزب الله» وإجباره على التراجع، وفصل المسار بين الجنوب وغزة.

أكّد خبير استراتيجي غربي، انّه وعلى الرغم من هذا التصعيد، «فإنّ التوازن الأساسي بين إسرائيل و«حزب الله» لم يتغيّر، على الأقل في الوقت الحالي»، وانّ «ضربات إسرائيل لم تصل إلى حدّ توجيه ضربة قاضية إلى الحزب، وانما كانت تهدف إلى إذلاله وإرباكه وبث الرعب في صفوفه وصفوف المجتمع اللبناني عموماً، لكنها فشلت حتى الآن في إجبار «حزب الله» على تغيير مساره واستراتيجيته».

وقد شنّ الحزب مزيداً من الهجمات الصاروخية قصيرة المدى على شمال إسرائيل أمس، بعد ساعات من تعهّد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بمواصلة القتال حتى تنهي إسرائيل حربها على غزة.

في السياق، أعلن قادة إسرائيل إنّ النزاع دخل مرحلة جديدة، وهدّد وزير الدفاع يوآف غالانت بأنّ «حزب الله» سيدفع ثمناً متزايداً مع مرور الوقت. لكنه لم يصل إلى حدّ الالتزام بغزو بري للجنوب اللبناني، على الرغم من انّ الجيش الإسرائيلي نقل فرقة مظليين إلى الحدود مع لبنان، لكن لا يبدو انّه على وشك القيام بمناورة برية كبيرة، حتى مع تصعيد سلاح الجو ووكالات الاستخبارات لهجماتهم، بصورة دراماتيكية.

غير انّ مصدراً ديبلوماسياً غربياً أبلغ الى «الجمهورية» أنّ تصعيد المواجهة وتكثيف الضربات، بما في ذلك عملية برية في لبنان، هو احتمال وارد، وأنّ أي شيء قد يشعل هذا النزاع. وقال إنّ «التحول قد يكون سريعاً».

وقال ديبلوماسي رفيع انه «في الوقت الحالي، لا يزال كل من القتال بين اسرائيل و«حزب الله»، والحرب على غزة، عالقاً في حالة من الجمود، ولا يبدو أنّ الهجمات بين إسرائيل و«حزب الله» مرجحة أن تهدأ دون هدنة في غزة، كما يبدو انّ المفاوضات للوصول إلى تلك الهدنة توقفت تقريبًا، وسط خلافات مستمرة بين إسرائيل وحماس».

ورأى الديبلوماسي أنّ «النزاعين بعيدان عن الحل العسكري. وعلى الرغم من عملياتها المخابراتية والعسكرية الجديدة، لا تزال إسرائيل تبدو بعيدة من توجيه ضربة عسكرية حاسمة في لبنان، ولم تنجح في تحقيق ذلك في غزة، رغم تدميرها لقوات «حماس» هناك. ولا تزال «حماس» تحتجز العشرات من الرهائن في جيوب غزة، مما يمنع إسرائيل من إعلان النصر.

في الوقائع الميدانية، شنّت طائرات حربية إسرائيلية غارة جوية في الضاحية الجنوبية أمس، ما أدّى الى استشهاد 14 شخصاً على الأقل وإصابة 66 آخرين، حسب وزارة الصحة، في ضربة استهدفت قادة «قوة الرضوان» في «حزب الله»، في مقدمهم قائد القوة ورئيس العمليات العسكرية للحزب الحاج إبراهيم عقيل الذي حلّ محل القائد العسكري الذي اغتالته إسرائيل قبل شهرين، فؤاد شكر. وزعم مسؤول إسرائيلي أنّ القيادة العليا لقوات الرضوان (حوالى 20 قائداً) قد قُتلوا في الضربة.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانيال هاجاري، في مؤتمر صحفي، إنّ عقيل وقادة «وحدة الرضوان» قُتلوا أثناء اجتماعهم.

وأتت الجريمة الإسرائيلية باغتيال القادة العسكريين في «حزب الله» بعد يومين من تفجير أجهزة النداء والاتصالات اللاسلكية من بُعد، ما أسفر عن استشهاد ما يقرب من 40 شهيداً وإصابة أكثر من 3000 آخرين.

ووصف مسؤول إسرائيلي عملية الاغتيال بأنّها «ضربة كبيرة» لبنية القيادة والسيطرة العسكرية للحزب. وأضاف أنّ إسرائيل توصلت إلى استنتاج بأنّها «لن تتمكن من التوصل إلى حل ديبلوماسي للوضع على الحدود الشمالية دون اللجوء إلى التصعيد العسكري، ولذلك بدأت تدريجياً بزيادة هجماتها ضدّ حزب الله».

وفي التفاصيل، دمّرت الضربة الإسرائيلية بعدد من الصواريخ مبنى سكنياً شاهقاً في قلب الضاحية الجنوبية، حيث كان يُعقد اجتماع سرّي على درجة كبيرة من الأهمية في الطابق الثاني تحت الأرض، برئاسة عقيل وحضور قيادة «قوات الرضوان» في «حزب الله».

وقالت وزارة الصحة اللبنانية إنّ 14 شخصاً على الأقل قُتلوا وأُصيب العشرات. وأكّدت أنّ 8 من المصابين في حالة حرجة، وقد يكون آخرون ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض، ما يعني أنّ عدد القتلى قد يرتفع أكثر.

وقالت المديرية العامة للدفاع المدني في بيان، إنّ مبنيين سكنيين انهارا في منطقة الجاموس في حي الضاحية نتيجة الغارة الإسرائيلية. وأضافت أنّ فرق الإنقاذ كانت تمشط المنطقة بحثاً عن ناجين ومفقودين تحت الأنقاض.

وقال شهود عيان في المحلة إنّهم لم يسمعوا أصوات الصواريخ وهي تصل، بل انّ الأمر كان أشبه بزلزال.

إبراهيم عقيل هو من مؤسسي الجناح العسكري لـ«حزب الله»، وهو معروف أيضاً باسم «تحسين». ويعدّ الرجل الثاني في الحزب، وهو عضو في أعلى مجلس عسكري تابع للحزب يُعرف باسم المجلس الجهادي، وقائد «قوة الرضوان»، وقد نجا من محاولات اغتيال عدة سابقاً.

وخلال العقدين الماضيين، قتلت إسرائيل تدريجياً عدداً من أعضاء مجلس الجهاد.

وكانت الولايات المتحدة تبحث عن عقيل، الذي يُعتقد أنّه في الستينات من عمره، بتهمة دور له في تفجيري عام 1983 اللذين أسفرا عن مقتل أكثر من 350 شخصاً في السفارة الأميركية في بيروت وثكنات قوات المارينز الأميركية، وكثير منهم كانوا مواطنين أميركيين، بحسب وزارة الخارجية الأميركية.

وفي العام الماضي، عرضت وزارة الخارجية مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هويته أو موقعه أو اعتقاله أو إدانته. واعتبرت أنّ عقيل كان مسؤولاً أيضاً عن توجيه اختطاف رهائن أميركيين وألمان في لبنان في الثمانينات.

وقد حاولت إسرائيل اغتيال عقيل مرّات عدة في الماضي، لكنه تمكن في كل مرّة من النجاة. في عام 2000، أطلقت مروحيات إسرائيلية النار على سيارة عقيل، لكنه نجا بإصابات طفيفة فقط. وأُصيب 5 مدنيين آخرين بجروح طفيفة، بينهم رضيع.

في واشنطن، قال الرئيس الأميركي جو بايدن في مستهل اجتماع مجلس الوزراء امس، إنّ ادارته تعمل على إيجاد حل يسمح للمدنيين في شمال إسرائيل وجنوب لبنان بالعودة إلى منازلهم. وأضاف: «علينا إنجاز ذلك، ولكن ما زال أمامنا طريق طويل».

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، إنّه لا يعلم بأي إشعار مسبق قدّمته إسرائيل للولايات المتحدة بشأن الضربة في بيروت.

وأضاف أنّ الولايات المتحدة لا تزال تؤمن بإمكانية التوصل إلى حل ديبلوماسي للقتال على الحدود بين إسرائيل ولبنان، مؤكّداً أنّ الحرب بين إسرائيل ولبنان ليست حتمية «ونحن نحاول منعها».

في هذا الوقت اجتمع مجلس الامن الدولي في نيويورك امس للبحث في العدوان الإسرائيلي على لبنان.

Share.
Exit mobile version