تفجيرات البيجر واللاسلكي تكشف عن أكبر اختراق أمني لحزب الله منذ بدء التصعيد

تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي التي هزت لبنان خلال اليومين الماضيين هي الاختراق الأكبر الذي يتعرض له “حزب الله” اللبناني منذ بدء التصعيد الذي فرضته الحرب في غزة لكنه ليس الوحيد، إذ سبق وأن تعرضت الجماعة المدعومة من إيران لسلسلة غارات أسفرت عن مقتل مئات المقاتلين وقياديين كبار، كان آخرهم وأبرزهم، فؤاد شكر.

ولم تقتصر آثار تلك الحوادث على القادة فحسب، بل أدت إلى مقتل نحو 500 عنصر. وهؤلاء استهدفوا بضربات إسرائيلية على طول خط الجبهة وفي مناطق متفرقة من سوريا، وقضى قسم آخر منهم داخل المقار والنقاط العسكرية المنتشرة في ضاحية بيروت الجنوبية.

معظم الضربات كانت تتم وفقا لإحداثيات دقيقة، وهو ما انطبق على حادثة مقتل شكر في إحدى منازل الضاحية الجنوبية وعلى القيادي في حركة حماس، صالح العاروري، بذات المنطقة أيضا وقادة آخرين من حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي وفصائل فلسطينية أخرى.

ويثير تكرار عمليات الاغتيال والضربة الأخيرة المرتبطة بأجهزة البيجر واللاسلكي تساؤلات عن سر الاختراق الكبير، الذي بات واضحا على نحو لافت وعند النظر إلى منظومة حزب الله من الداخل والخارج.

وفي حين يربط خبراء ومراقبون من كافة الأطراف الأسباب التي تقف وراء الاختراق بالاستراتيجية والسلك الاستخباراتي المتطور لدى إسرائيل يذهب آخرون باتجاه آخر، ويتحدثون لموقع “الحرة” عما وصفوه بـ”الثقة المفرطة” التي فتحت بابا كبيرا بات من الصعب إغلاقه.

ولا تعرف حتى الآن طبيعة التداعيات التي قد تسفر عنها حوادث تفجيرات البيجر واللاسلكي، ومن غير الواضح أيضا الخطوات التي قد يتبعها حزب الله لسد الثغرات الأمنية التي فتحتها إسرائيل داخل منظومته بشكل مفاجئ ودون أية مقدمات.

وفي المقابل تسود ضبابية عن القادم الذي تهدد بتطبيقه إسرائيل على طول حدودها الشمالية مع لبنان، وما إذا كانت ستنتقل إلى مرحلة عسكرية أخرى، وهو الأمر الذي يلوح به القادة العسكريون فيها.

“مزيج استمر لسنوات”
ولا يعتقد فيليب سميث، الباحث في جامعة ماريلاند والمتابع لنشاطات وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط، أن الاختراق الحاصل في حزب الله يتعلق “بشيء واحد”، بل “هو مزيج من الجهود المركزة التي استمرت لسنوات”.

ويوضح في حديثه لموقع “الحرة” أن “الإسرائيليين كانوا يدركون التهديد الذي يمكن أن يشكله الحزب منذ عقود من الزمان، ويضعون في الحسبان أنشطته التي انخرط بها منذ هجمات السابع من أكتوبر”.

وعلى هذا الأساس “من المنطقي تماما أن يبحثوا عن أي وسيلة للدخول إلى بنية حزب الله اللبناني الغامضة إلى حد ما”، وفق سميث.

يضيف الباحث أن “الإسرائيليين بذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على مزيج متقدم من المصادر لمراقبة حزب الله، مثل الاستخبارات البشرية، والمراقبة الإلكترونية، وما إلى ذلك”.

ويشير إلى أن الأشكال المذكورة دائما ما تستخدمها أجهزة الاستخبارات وبشكل “غير تقليدي”، وأنها تتطلب قدرا من الضعف لدى المجموعة المستهدفة.

ويقول إن “حزب الله قد يكون صدق دعايتهم (الإسرائيليين) ورأى أن قوته في لبنان تعني أنه يستطيع الإفلات من العقاب”. ويردف: “وكثيرا ما تؤدي هذه الثقة المفرطة إلى وضع أسهل تستغله أجهزة الاستخبارات الخارجية”.

وبالنظر إلى حوادث الاختراق الحاصلة داخل حزب الله وعند مقاربتها بما حصل في إيران، وما شهدته مؤخرا باغتيال زعيم حماس السياسي، إسماعيل هنية، تكاد لا تختلف الصورة على الإطلاق، وفق رؤية الباحث في معهد الأمن القومي، آرمان محموديان.

“بين غزة والضاحية”
وكانت إسرائيل نجحت في تحديد الموردين الإيرانيين والوسطاء المشاركين في شراء المعدات لمنشأة التخصيب الإيرانية في نطنز.

كما نجحت في إخفاء الأجهزة المتفجرة داخل المعدات، والتي انفجرت بمجرد أن تلقتها إيران وثبتتها، كما يضيف الباحث محموديان.

وفعلت ذات الشيء مع أجهزة البيجر واللاسلكي، بدءا من الشركة الموردة والمصنعة لها، وصولا إلى الإمساك بها بيد عناصر حزب الله، ومن ثم تفجيرها عن بعد.

لكن وبينما ينظر لعملية تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي من زاوية نجاح المهمة، لا يبدو الأمر مشابها لما حصل في السابع من أكتوبر، عندما شنت حركة حماس هجومها، محدثة خرقا كبيرا لدى إسرائيل.

ويشرح الخبير العسكري العميد اللبناني، ناجي ملاعب، أن “الهجوم السيبراني لا يمكن توقعه ما لم يكن هناك أمن سيبراني”. والأمن السيبراني من اختصاص جهاز دولة لا تنظيم مثل حزب الله.

كما يضيف ملاعب لموقع “الحرة” أن “الأمن السيبراني في لبنان ليس قويا”، وأنه “لا يمكن الكشف عن هجوم من مثل هذا النوع إلا بعد حصوله. ما حصل هو سبق تملكه إسرائيل وربما تعاونت مع قوى أخرى”، على حد تعبيره.

ومن ناحية أخرى لا يستبعد الخبير العسكري أن يكون الاختراق الحاصل داخل حزب الله مرتبطا بـ”عملاء”.

هل بإمكانه سد “الثغرات”؟
ولإسرائيل تاريخ طويل في تنفيذ هجمات معقدة في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، رغم أنها لا تعلن في معظم الأحيان عن مسؤوليتها.

وخلال العقد الماضي، نجحت إسرائيل في اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين، منهم محسن فخري زاده في 2020، والذي كان يعتبر العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني.

وقبل ذلك يعتقد أنها نجحت في سرقة الأرشيف النووي الإيراني من مخزن في طهران في عام 2018 في عملية معقدة.

وبعد حرب غزة تصاعدت حدة العمليات الاستخباراتية.

وكان آخرها قبل تفجيرات البيجر واللاسلكي في لبنان، وذلك في تنفيذ عملية إنزال خاصة في مركز البحوث العلمية بمدينة مصياف وسط سوريا، وفقا لمسؤولين نقل عنهم موقع “أكسيوس” وصحيفة “نيويورك تايمز”، الأسبوع الماضي.

وفيما يتعلق بحزب الله، يرى الباحث فيليب سميث أن “الخروقات التي يتعرض لها تهدف إلى إظهار الضعف الأساسي داخل جهاز الأمن التابع له”.

وكانت هذه الخروقات عميقة للغاية، بحيث “تتسبب في هز المنظمة حتى الصميم”، وفق ذات المتحدث.

و”الأمر الأكثر إثارة للدهشة” على حد وصفه هو أن الحزب “كان من المفترض أن يكون لديه بعض البصيرة بشأن الثغرات التي قد تحاول إسرائيل استهدافه فيها”.

وتتطلب عملية إغلاق الثغرات قدرا كبيرا من إعادة الهيكلة والوقت والمال، ويعتقد سميث أن “الضرر الذي لحق بالشعور بالأمن سوف يكون غير قابل للإصلاح على الأقل في الأمد القريب. فضلا عن ذلك فإن الأعداد المستهدفة كانت ضخمة (بتفجيرات البيجر واللاسلكي)”.

ويرى أنه “عندما تحاول مجموعة ما سد مثل هذه الفجوات (الأمنية)، فإن هذا يؤدي إلى المزيد من انعدام الثقة الداخلية. وهذا من شأنه أن يتسبب في المزيد من المشاكل التي قد تؤدي إلى تدهورها”.

وتشير تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي، إلى جانب الضربات الدقيقة التي تشنها إسرائيل على منصات إطلاق حزب الله والطرق وأنظمة القيادة والمخازن والمواقع الأخرى إلى أن إسرائيل “تتجه نحو شل هيكل قيادة الجماعة المرتبطة بإيران”، حسبما يقول الباحث محموديان.

وقد يكون ما سبق إما تحضيرا لهجوم واسع النطاق أو مؤشرا على المزيد من الضربات المستهدفة القادمة.

ويعتقد الباحث في جامعة ميريلاند أن الهجمات الأخيرة، وخاصة تفجيرات البيجر واللاسلكي أثرت بشكل كبير على نظام قيادة حزب الله، ومن المرجح أن “يظل معطلا لفترة قصيرة”.

ويضيف أنه وإلى جانب السؤال الرئيسي المتعلق بقدرته على “سد الثغرات الأمنية” يبرز مصدر قلق لديه ويتعلق “بما إذا كان بإمكانه الحفاظ على خط إمداد موثوق”.

“تحد كبير”
ويشكك محموديان في أن حزب الله أو إيران لديهما القدرة الصناعية لتلبية جميع احتياجاتهما بشكل مستقل.

ويرى أنه “لا مفر من أن يحتاجا إلى الحصول على المزيد من المعدات من الموردين الأجانب”، وأنهما “قد يلجآن إلى حلفاء مثل روسيا أو الصين، لكن لا يبدو أن هذا هو الحال في الوقت الحالي”.

وفي الأمد القريب، قد يتبنى حزب الله استراتيجيات مماثلة لحماس قبل السابع من أكتوبر، من خلال تقليل اعتماده على الأنظمة الإلكترونية والاعتماد بشكل أكبر على المحادثات وجها لوجه أو الوسائل التقليدية مثل “الرسل البشريين”.

ومع ذلك يوضح الباحث أن “حزب الله أكبر وأكثر نشاطا من حماس، وبالتالي فإن تنفيذ مثل هذه التدابير على نطاق واسع سيكون تحديا كبيرا بالنسبة له”.

وفي المقابل يرى الباحث في الشأن الإيراني، حكم أمهز، أن الحرب القائمة الآن ليست عسكرية فحسب، بل أمنية.

وتقوم الحرب الأمنية وفق حديثه لموقع “الحرة” على أساسين الأول هو “الاختراق البشري” والثاني هو “الاختراق التكنولوجي السيبراني”.

ويعتبر أمهز أنه توجد “حرب أدمغة على مستوى التكنولوجيا بين إسرائيل وحزب الله في الوقت الحالي”، وأن زعيم الجماعة سبق وأن أعلن في 2005 عن اختراق استهدف تقنية الطائرات المسيرة الإسرائيلية.

وفي حين أن تفجيرات البيجر واللاسلكي كشفت عن “عملية اختراق كبيرة” وأسفرت عن عشرات القتلى وآلاف المصابين وأحدثت زعزعة كبيرة في معقل الحزب اللبناني المدعوم من إيران يشير الخبير في الشأن الإيراني إلى أن “الحرب دائما ما تكون مرة لك ومرة عليك”.

ويقول إن “قدرات حزب الله وصلت إلى مرحلة اكتشاف أن شحنة البيجر مفخخة، مما دفع إسرائيل لاتخاذ قرار التفجير قبل أوان العملية”.

وامتنعت إسرائيل حتى الآن عن التعليق على الانفجارات التي وقعت في معاقل عدة لحزب الله.

لكن وسائل إعلام غربية ربطت ما حصل بها، وذكرت شبكة “سي أن أن”، الأربعاء، أن الاستهداف الذي طال عناصر حزب الله في جميع أنحاء لبنان، كان “نتيجة عملية مشتركة بين جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) والجيش”.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير منفصل عن مسؤولين مطلعين أن إسرائيل كانت قد أخفت متفجرات داخل دفعة تايوانية من أجهزة النداء البيجر قبل أن يتم تصديرها إلى لبنان.

المصدر – الحرة

Share.
Exit mobile version