تحت وطأة التوتر المتصاعد على الحدود اللبنانية، تجد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) نفسها في مواجهة تحديات وأخطار غير مسبوقة وسط النزاع المتجدد بين إسرائيل وحزب الله.

وإثر جولة ميدانية خاصة مع الوحدة الإسبانية التابعة لليونيفيل، يكشف تقرير لـ”واشنطن بوست” عن تحوّل في مهمة هذه القوات من مراقبة هادئة لوقف إطلاق النار إلى دور أكثر خطورة كحاجز بين قوتين متحاربتين.

يقول المقدم الإسباني خوسيه إيريساري، واصفا الواقع الجديد الذي يواجهه أفراد اليونيفيل، “هناك لحظات يكون فيها الوضع هادئا. ثم فجأة: يومان من القتال المستمر”، بعد أن تحولت المنطقة الحدودية، منذ تشرين الأول الماضي، إلى ساحة قتال شبه يومية تهدد بتحويل الاشتباك المحدود إلى حرب شاملة.

ولسنوات، راقبت اليونيفيل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الذي استمر بشكل أو بآخر منذ عام 2006. لكن منذ بداية الحرب في غزة، تشرين الأول الماضي، يعمل حفظة السلام على تخفيف حدة النزاع من خلال نقل الرسائل بين الجيش الإسرائيلي والجماعة اللبنانية المسلحة.

ومع فرار المدنيين بأعداد كبيرة على جانبي الحدود، تغير موقف اليونيفيل من مراقبة الانتهاكات على الحدود إلى دوريات على جبهة قتال، وهو دور غير مريح شبهه إيريساري بكونه حاجزا. قال: “نحن لا نتصرف ضد أي شخص. لكن لو لم تكن اليونيفيل هنا، أنا متأكد جدا أن الوضع سيتصاعد”.

وتأسست قوات اليونيفيل عام 1978 لمراقبة انسحاب إسرائيل من لبنان. واليوم، في ظل النزاع الحالي، تسعى جاهدة لتخفيف حدة التوترات من خلال لعب دور الوسيط بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي.
وحتى تشرين الأول الماضي، كانت هناك آلية وساطة أكثر رسمية تجمع مسؤولين عسكريين من الطرفين في غرفة واحدة تحت إشراف اليونيفيل، لكن هذه الآلية تم تعليقها منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من أن حزب الله لم يكن طرفا مباشرا في هذه المحادثات، إلا أن مصالحه كانت تُمثَّل ضمنيا من خلال الجيش اللبناني، وفقا للصحيفة الأميركية.

ومع تصاعد التوترات، يقرّ مسؤولو اليونيفيل بقدراتهم المحدودة في حال اندلاع حرب شاملة، إذ يقتصر دورهم على محاولات منع التصعيد، دون امتلاك القدرة الفعلية على وقف الحرب إذا اندلعت بشكل كامل.
في هذا الجانب، يؤكد ثاناسيس كامبانيس، مدير مركز “القرن الدولي”، أن قوات اليونيفيل صُممت في الأساس لتكون “نموذجا لإدارة النزاع وتجنب التصعيدات غير المقصودة”، وليس لحل الصراعات الجذرية أو مواجهة التصعيدات المتعمدة الناتجة عن انعدام الثقة وسوء التقدير.
ووصلت مخاوف اتساع نطاق النزاع إلى ذروتها هذا الصيف، إثر اغيتال إسرائيل في أواخر تموز الماضي، لقيادي بارز في حزب الله في ضواحي بيروت. وبعد أقل من شهر، تحديدا في 25 آب الماضي، شهدت المنطقة أعنف تبادل للنيران بين الطرفين.

وفي خضم هذا التصعيد، وجدت قوات اليونيفيل نفسها في قلب الأزمة. يروي النقيب ألفونسو ألبار، عضو الوحدة الإسبانية، كيف تم رفع مستوى التأهب إلى أعلى درجاته (المستوى 3)، مما استدعى لجوء القوات إلى الملاجئ تحت الأرض. يقول ألبار: “قضينا 5 ساعات في الملجأ، نسمع باستمرار أصوات نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ”.

ومنذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، شهدت المنطقة الحدودية تحولا في طبيعة الانتهاكات. قبل تشرين الأول 2023، كانت هذه الأحداث تقتصر غالبا على حوادث بسيطة، كعبور المزارعين بحيواناتهم للحدود، إضافة إلى بعض الاشتباكات المتفرقة بين حزب الله وإسرائيل.
أما اليوم، فقد تصاعد الوضع بشكل خطير، حيث يشهد الخط الأزرق تبادلا يوميا لعشرات القذائف بين الطرفين.

وتصف كانديس أرديل، المتحدثة باسم اليونيفيل، الوضع الراهن قائلة إن “كمية الانتهاكات هائلة”، غير أنها تضيف أنه بالرغم من القصف، لا يزال حفظة السلام “ينسقون بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني لتسهيل المهام اليومية في المنطقة الحدودية، مثل مكافحة الحرائق أو إصلاح المرافق، لحماية العمال الذين يقومون بعملهم فقط”.

وتقع قاعدة الوحدة الإسبانية التابعة لليونيفيل على بعد مئات الأمتار فقط من الخط الأزرق، في نقطة التقاء حدود سوريا وإسرائيل ولبنان. وتضم 109 فردا، من بينهم 36 جنديا من السلفادور. ومن أبراج المراقبة في موقعها الاستراتيجي، تشهد قوات اليونيفيل المشهد المتوتر بأكمله: الملاجئ العسكرية الإسرائيلية، مواقع إطلاق النار التابعة لحزب الله، ومرتفعات الجولان.
وعلى الرغم من التصعيد الحاد، ظلت قاعدة اليونيفيل بمنأى عن الاستهداف المباشر خلال النزاع الحالي. ومع ذلك، لم تخلُ المهمة من الخسائر البشرية، فقد قُتل متعاقد مع اليونيفيل هذا الشهر إثر ضربة استهدفت سيارته، كما أصيب حلاق يعمل مع الوحدة الإسبانية بنيران قناص إسرائيلي أثناء توجهه لعمله، وفقا للصحيفة.

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version