دائرة الاغتيالات الإسرائيلية في لبنان تتوسع ووالفلسطينيون أولاً

لا شكّ أن الحرب الحالية التي تدور في المنطقة منذ تشرين الأول من العام الماضي، أظهرت تفوقاً تكنولوجياً إسرائيلياً واضحاً. إذ كانت عمليات الاغتيال عاملاً بارزاً من العوامل التي يتكل عليها العدو لتحقيق أهدافه. وكانت ساحات المنطقة ككلّ مسرحاً لعمليات الاغتيال، من لبنان إلى سوريا وفلسطين والعراق، وصولاً إلى طهران، التي اغتيل فيها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة.

خلال الأسابيع القليلة الماضية حصل تبدّل في مقاربة هذه العمليات من قبل العدو الإسرائيلي، في لبنان تحديداً. إذ تكشف مصادر متابعة عبر “المدن”، أن هذا التبدل يمكن قسمه إلى قسمين، الأول يتعلق بالمقاومين اللبنانيين، والثاني بالقيادات والشخصيات الفلسطينية.

توسيع دائرة اغتيال “المقاومين”
في المرحلة الماضية، ركزت إسرائيل على اغتيال قيادات عسكرية رفيعة في حزب الله. ونجحت بهذه المهمة بعد اغتيال قياديين أمثال أبو نعمة وأبو طالب، وصولاً إلى اغتيال القيادي الكبير فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية. كما كان العدو يقوم بعمليات اغتيال واستهداف الكثيرين من عناصر المقاومة، خلال تواجدهم على الجبهة أو أثناء عودتهم منها. وحسب المصادر، فإن العدو عمد منذ أسابيع قليلة إلى توسيع دائرة الاغتيالات، من خلال استهداف المقاومين حتى لو لم يكونوا في أوقات نشاطهم، أو خلال تأديتهم للمهام الموكلة إليهم، أو عودتهم منها. وبالتالي، توسيع دائرة الاستهدافات. وهذا ما حتّم على المقاومة اتخاذ تدابير وقائية جديدة.

وتكشف المصادر، أن التدابير الوقائية تدرّجت وتطورت منذ ابتداء الاغتيالات. فبعد التوقف كلياً عن استعمال الهاتف، تم اللجوء الى وسائل اتصال قديمة مثل “البيجر”. وهو عبارة عن جهاز اتصال لاسلكي صغير بدأ استعماله منذ أكثر من 50 عاماً، ويعمل على مبدأ إرسال إشارات رقمية عبر المتردد اللاسلكي للشخص، حيث يكون لكل إشارة معنى ضمن المعاني الموجودة في كتيّب صغير، يُعدّل كل فترة لمنع اكتشاف معاني الإشارات.

ومن الإجراءات الوقائية أيضاً، تعقيد مسألة تنقل المقاومين من مراكز عملهم وإليها. إذ بات يحتاج الشخص أحياناً إلى يومين كاملين من أجل التنقل لمسافات قصيرة نسبياً. وذلك لإبعاد خطر تتبّعه من المسيّرات قدر الإمكان.

كذلك، تُستخدم وسائل تكنولوجية جديدة لمواجهة سياسة الاغتيالات، منها -حسب المصادر- الجهاز الخاص بكشف النوايا الهجومية للمسيّرة (حين تتفعّل فيها إشارة تثبيت الهدف). فهذا الجهاز يُرسل تنبيهات صوتية للشخص الذي تُطبِق المسيّرة على سيارته. مشيرة إلى أنه عند بدء استخدام هذه التكنولوجيا كانت المهلة المعطاة للشخص قبل استهدافه حوالى 6 ثوان. أما اليوم، فتصل المدة إلى ما بين 15 و20 ثانية. ولكن احتمالات فشل الجهاز واردة أيضاً.

من وسائل الاستهداف الجديدة أيضاً -حسب المصادر- هو اعتبار كل حركة هاتف في كل منزل في القرى التي شهدت نزوحاً في الجنوب، هي حركة مشبوهة. وبالتالي، يتم استهداف المنزل بحال دخلته إشارة هاتف، حتى ولو لم يكن حامل الهاتف مقاوماً أو على علاقة بالعمل العسكري. ولكن بالمقابل، تنفي المصادر عبر “المدن”، ما قيل عن أن كل منتسب لحزب الله هو هدف للاغتيال. مؤكدة أن هذه الأخبار تأتي في سياق بث الخوف، وفي سياق الحرب النفسية التي يخوضها العدو منذ سنوات.

الاغتيالات وعلاقتها بالضفة الغربية
أما القسم الثاني، فهو المتعلق بالقيادات الفلسطينية. فمع محاولة الاغتيال التي وقعت ظهر الاثنين في حارة صيدا، تكون محاولات الاغتيال ضد الفلسطينيين في لبنان قد أصبحت تسع، ثلاث منها في شهر آب. والمستهدف في المحاولة الأخيرة هو، حسب معلومات “المدن”، كادر في حركة حماس. وقد نجا من المحاولة بالصدفة بعد أن ترك هاتفه داخل السيارة وترجل منها إلى السوبرماركت. استُهدفت السيارة بناءً على إشارة الهاتف، مع العلم أن صاروخاً من المسيّرة سقط على سطح المبنى الذي رُكنت قربه السيارة. وهذه تكاد تكون المرة الأولى التي يُخطىء فيها الطيران المسيّر بهذه الطريقة. ولكن رغم فشل المحاولة، ينبغي التوقف عند ازدياد أعداد محاولات اغتيال فلسطينيين في لبنان.

حسب المصادر، فإن تصعيد حركة الاغتيال هذه يرتبط بالضفة الغربية بشكل أساسي، لا بغزة والحرب عليها. إذ يبدو أن هناك قراراً إسرائيلياً باغتيال القياديين العاملين على خط دعم مقاومة الضفة الغربية. خصوصاً أن التحركات العسكرية للقوى الفلسطينية في لبنان عند جبهة الجنوب، قد انخفضت وتيرتها بشكل كبير، لأسباب تتعلق بالساحة اللبنانية وترتيباتها. وكان على رأس المستهدفين، القيادي في كتائب شهداء الأقصى- الجناح العسكري لحركة “فتح”، العميد خليل المقدح، في منطقة الفيلات- صيدا في 21 آب الماضي. خصوصاً أن الاغتيال تم بسبب اتهام المقدح بدعم وتسليح كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية. مع العلم أن الرجل -حسب المصادر- كان يُدرك أنه مستهدف، وحاول اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية لحماية نفسه. كاشفة أن علاقات الرجل بإيران وحزب الله كانت وطيدة.

تؤكد المصادر، أن العمليات الإسرائيلية هذه تؤكد وجود مخطط للمقاومة في الضفة، بدأت تظهر بوادره من خلال العمليات الأمنية التي تحصل في شكل شبه يوميّ. فحسب معلومات “المدن”، تسعى الجمهورية الإسلامية في إيران إلى دعم “المقاومة” الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تشهد عمليات أمنية شبه يومية ضد قوات الاحتلال، رغم الظروف الصعبة التي يعمل بها المقاومون. لذلك تحرّكت منذ فترة بعض الخلايا النائمة، كما بعض القيادات خارج فلسطين، لترتيب أمور المقاومة في الضفّة.. في مقابل مخطط اسرائيلي للتعامل معه أيضاً. إذ كشفت وسائل إعلام إسرائيلية في الساعات الماضية أن قوات الجيش الإسرائيلي تستعد لإطلاق عملية عسكرية في الضفة الغربية ستستمر عدة أسابيع، لمواجهة ما أسموه “الإرهاب” الذي يهدد إسرائيل. وبالتالي، ترشح المصادر أن ترتفع وتيرة الاغتيالات في لبنان لفلسطينيين لهم علاقة بالضفة الغربية بالتحديد. وهذا ما يعلمه المعنيون أيضاً داخل المخيمات، حيث بات هؤلاء داخل المعركة بشكل مباشر.

يحاول الإسرائيليون الاستفادة من شكل الحرب الحالية لـ”تحييد” أكبر عدد ممكن من الشخصيات والقيادات اللبنانية والفلسطينية. علماً أن هناك قراءة تقول إن تكثيف الاغتيالات قد يعني اقتراب الحرب من نهايتها، وأن الإسرائيلي يرغب بتنفيذ أكبر عدد ممكن من العمليات وحصد أكبر عدد من الاغتيالات قبل وقف الحرب. ولكن صحة هذا التفسير تبقى مرهونة بتقدم المفاوضات التي لا يبدو أنها تتقدم كما يجب.

المصدر – المدن

Share.
Exit mobile version