مخاوف من تداعيات أمنية واقتصادية مع تصاعد المواجهات جنوباً
لن تكون العملية العسكرية التي رد فيها “حزب الله” على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر الأخيرة في سياق المواجهات العسكرية المتبادلة بين الحزب وإسرائيل على خلفية حرب الإسناد والمشاغلة التي أطلقها الحزب في الثامن من تشرين الأول الماضي، وإن كانت تمثل الرد المنتظر من الحزب على اغتيال شكر.
ذلك أن الجبهة الجنوبية ستظل مشتعلة ما لم تتوصل مفاوضات القاهرة بين حركة “حماس” وإسرائيل إلى الاتفاق على وقف النار، وهي كانت شهدت تعثراً جديداً، ما يجعلها في دائرة الشكوك حيال القدرة على الوصول بالضغط الدولي عموماً والأميركي على وجه الخصوص الى نتائج في هذا الشأن.
وفيما كانت الأنظار مشدودة أمس إلى ما وصفه الحزب بالمرحلة الأولى من الرد، والشرح المسهب لأمينه العام للعملية، ينشغل الوسط اللبناني الداخلي بسؤالين مقلقين يتصلان بالتطورات المتسارعة جنوباً: متى وكيف ستنتهي حرب المشاغلة أولاً، وكيف ستنعكس على أمن الداخل وماذا سترتب من تداعيات في التعاطي السياسي مع المكوّنات اللبنانية الأخرى المعارضة أساساً لتلك الحرب، والمنادية بنأي لبنان عنها؟ ومرد السؤال الأول الخشية من ردود فعل الحزب على الساحة الداخلية، إن خرج منتصراً أو خإسرا، باعتبار أنه بقطع النظر عن النتائج التي ستخلص إليها تلك الحرب، فهي لا بد من أن تؤثر سلباً على الوضع الداخلي المهترئ والمشلول أساساً بفعل الخسائر الباهظة المترتبة عن شلل الحياة السياسية والاقتصادية فضلاً عن الخسائر المادية التي فاقت مئات الملايين من الدولارات.
وأمام الخشية من ارتداد الحزب على الداخل مهما يكن مسار المواجهات الدائرة جنوباً، خصوصاً إذا ما شهد الوضع الأمني على الساحة الداخلية تفلتاً أو اضطرابات ترمي إلى إشاحة النظر عما يحصل على الجبهة الجنوبية، تقلل مراجع أمنية رفيعة من هذه المخاطر، مؤكدة أن الأمن ممسوك في الداخل، وأن الأجهزة العسكرية والأمنية، بما فيها المخابراتية، تسيطر في شكل مقبول جداً على الوضع الأمني، رغم الإمكانات الضئيلة جداً والضعيفة التي تتحرك من خلالها.
وتكشف هذه المراجع لـ”النهار” أن كل الأجهزة تعمل بكامل قواها، معوّلة على درجة عالية من الوعي عند الكوادر لحجم المخاطر التي تواجه البلاد والحاجة القصوى للتعامل معها بحزم وجدية ومسؤولية. وتقول: صحيح أن تراجع القدرة الشرائية للأسلاك العسكرية والأمنية قد أدّى إلى تراجع الإنتاجية أو بعض الترهل ولكن بقيت بعض الحوافز معطوفة على حملة توعية أسهمت في إبقاء جهوزية الأسلاك عالية.
وتكشف أن هذه المؤسسات لا تزال تتمتع بتغطية طبية واستشفائية كاملة إضافة إلى تحسين بدلات النقل، فضلاً عن التغاضي عن قيام العناصر بأعمال جانبية لمساعدتهم على تغطية نفقاتهم المعيشية، من دون إغفال الإشارة إلى أن هذه العناصر غير كافية حتماً، ولكنها تفي بالحاجة في الظروف الاستثنائية الراهنة التي تتطلب تضحيات يقوم بها العناصر.
وتكشف المراجع أن العمل الأمني والمخابراتي يتمحور في أكثر من اتجاه، أحدها مواجهة الأحداث الفردية كالجرائم أو السرقات أو الخطف أو الترتيب لأعمال تمسّ بالأمن القومي، على نحو يرسي الطمأنينة في المجتمع خصوصاً أن وجود مليوني لاجئ سوري قد رفع مستوى الاضطرابات والحوادث الفردية.
محور آخر لا يقل أهمية بالنسبة إلى المراجع ويتمثل برصد الشبكات الإرهابية ومراقبة خلاياها النائمة، ولا سيما تلك المتصلة بتحركات تنظيمي “النصرة” و”داعش” التي يمكن تحريكها واستغلالها لتعكير صفو الاستقرار الداخلي وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية. لا تنفي المراجع قلقها من أي تحريك للجماعات الأصولية في ظل تشتت الشارع السني، بهدف استغلال الفراغ على الساحة السياسية لزعزعة الاستقرار.
وإذ ترفض المراجع الكشف بأرقام أو إحصاءات عن حجم العمليات التي تسجلها، تؤكد أن ما يُكشف عنه يشكل جزءاً يسيراً جداً مما يُنفذ، والهدف منه الحفاظ على صدقية عمل المؤسسات وعدم غيابها عن الساحة. لكنها في المقابل، لا تخفي قلقها من استمرار حال الاستنزاف الحاصلة على الجبهة الجنوبية، لما لها من تأثيرات سلبية وخطيرة على القدرة الداخلية على الاستمرار في تحمّل أعباء التحديات الأمنية المطروحة.
وهذا القلق يتقاطع مع قلق مماثل لدى المحافظين والبلديات الذين يجري استدعاؤهم للمشاركة في وضع خطط الطوارئ في حال توسع الحرب، من دون أن يجدوا استجابة حكومية لحاجاتهم في ظل شح التمويل والاعتمادات المخصصة لهذه الحاجات. ويؤكد بعض هؤلاء الأوضاع المزرية والمتآكلة لإدارات الدولة وأبنيتها، ومواردها البشرية، على نحو يشي بالانهيار الكامل إن لم يتم اللجوء إلى إجراءات سريعة لتفادي الوقوع في المحظور.
المصدر – النهار