أخبار دولية

“حرب نفوذ” بين واشنطن وبكين في مواقع مختلف من العالم

ليس خفياً على أحد التنافس القائم بين واشنطن وبكين على بناء قواعدهما العسكرية في مواقع كثيرة بمختلف أنحاء العالم؛ للحفاظ على دور إستراتيجي لهما، وتوسيع مصالحهما الاقتصادية والأمنية.

وتحافظ واشنطن على مكانتها بوصفها قوة عالمية عظمى من خلال شبكة واسعة من المواقع العسكرية في مختلف أنحاء العالم، تماشيًا مع عقيدة الحرب الأمريكية المتمثلة في الحفاظ على وجود عسكري دائم أو دوري في مواقع إستراتيجية خارج الولايات المتحدة، مثل المطارات والموانئ البحرية والمعسكرات ومستودعات الأسلحة والمجمعات السكنية؛ بهدف الدفاع عن مصالحها الوطنية.

وبحلول نهاية هذا العقد، قد تتمكن الصين من تطوير شبكة مهمة خاصة بها من القواعد العسكرية، حسب تقرير نشرته مجلة “نيوزويك” الأمريكية، لفتت فيه إلى أن توسع المصالح الاقتصادية والأمنية للصين على الصعيد العالمي ربما يدفعها نحو محاكاة “نموذج القوة العظمى”، القائم على استعراض القوة والنفوذ، من خلال شبكة مماثلة من الوجود العسكري في الخارج.

وكثيرًا ما تُنشأ هذا الوجود في أراضي دول حليفة أو صديقة أو حتى محايدة، وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الوجود العسكري الخارجي يشكل الأساس للعمليات العسكرية الأمريكية، واستعراض القوة على الصعيد العالمي، حتى في أوقات السلم.

غير أن شبكة القواعد والمرافق العسكرية الأمريكية هذه، رغم أهميتها في ردع الخصوم وطمأنة الحلفاء، فإنها تنطوي أيضًا على مخاطر سياسية كبيرة، إذ تتطلب هذه القواعد مشاركة دبلوماسية مستمرة مع الدول المضيفة التي يمكنها تقييد وصول الجيش الأمريكي أو إلغائه إلى تلك القواعد من منطلق حقها في السيادة على أراضيها، كما حدث مؤخرًا في النيجر.

بالإضافة إلى ذلك، يذكر التقرير أن الوجود العسكري العالمي للولايات المتحدة يتجاوز القواعد العسكرية التقليدية، مشيرًا إلى أن الجنود والبحارة والطيارين الأمريكيين يعملون انطلاقًا من منشآت في الخارج تحتوي على مواقع متعددة، وليست كلها قواعد عسكرية بحتة.

ويضيف: “بعض تقارير البنتاغون غير السرية كشفت ملكية الحكومة الأمريكية لمناطق ترفيهية مثل المتنزهات وملاعب الجولف، بوصفها جزءًا من بصمة أمريكا العالمية”.

وحسب التقرير، فإن الدليل الرسمي الوحيد للمنشآت الأمريكية في أنحاء العالم جميعها يُنشر في نهاية كل سنة مالية من قبل مكتب مساعد وزير الدفاع لشؤون الطاقة والمنشآت والبيئة.

وتشرف وزارة الدفاع الأمريكية على شبكة واسعة من المواقع العسكرية في ما يزيد على 40 دولة ومنطقة تستضيف قواعد تزيد مساحتها على 10 أفدنة، أو تقدر قيمتها بما يزيد على 10 ملايين دولار، على الرغم من أن هذه القواعد المرئية لا تمثل سوى جزء ضئيل من إجمالي أصول البنتاغون.

ولكن البيانات المتاحة للجمهور عن هذا الوجود العالمي الأمريكي غير كاملة، إذ إنها تستبعد المواقع الاستخباراتية السرية، واتفاقيات الوصول المؤقت، أيضًا تتضمن شبكة المواقع هذه نشر ما يقرب من 169.117 جنديًّا أمريكيًّا، يتركزون بصورة رئيسة في اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وإيطاليا.

بالتوازي مع ذلك، تعمل الصين تدريجيًّا على بناء شبكتها الخاصة من المواقع العسكرية، مدفوعة بمصالحها الاقتصادية والأمنية المتوسعة، في حين أن الوجود العسكري الصيني في الخارج أصغر بكثير حاليًّا من الوجود العسكري الأمريكية، فإنه ينمو باطراد واضح.

وحسب تقرير “نيوزويك”، تنفذ قوات المهام التابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني مهمات مكافحة القرصنة في خليج عدن من دون توقف منذ عام 2008، ومنذ عام 2017، عُززت قوات الحراسة التابعة للبحرية الصينية بقاعدة لوجستية في ميناء دوراليه في جيبوتي.

ويؤكد التقرير أن القاعدة الخارجية الوحيدة المعترف بها علنًا للصين تقع في جيبوتي، على بعد ثلاثة أميال غرب معسكر ليمونير -القاعدة العسكرية الأمريكية الدائمة الوحيدة في إفريقيا- وبالقرب من عدد من المنشآت الأخرى التي يديرها حلفاء الولايات المتحدة في هذا الممر الملاحي المهم إستراتيجيًّا.

ويشير التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية بخصوص القدرات العسكرية للصين، أن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي تشكل نقطة انطلاق محتملة لحاملات الطائرات التابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي، والسفن الحربية الكبيرة، والغواصات.

ويزعم أن الصين تفكر فعلًا في إنشاء مرافق لوجستية عسكرية إضافية في الخارج؛ لدعم قدراتها المتنامية، وذلك بغية فرض قوتها العالمية عبر أصولها البحرية والجوية والبرية.

ويحذر تقرير البنتاغون من أن إنشاء مثل هذه الشبكة اللوجستية العسكرية العالمية من جانب الصين من شأنه أن يعطل العمليات العسكرية الأمريكية مع تطور الأهداف العالمية للصين وتوسعها العسكري عالميًّا.

وتتابع “نيوزويك” قائلة إن طموحات الصين العالمية تتجلى في مبادرة الحزام والطريق التي قادت إلى تكهنات حول إقامة قواعد عسكرية صينية في دول مثل بنغلاديش وكمبوديا وميانمار وباكستان، وهي دول تتوافق في أهدافها الاقتصادية والأمنية مع بكين، فضلًا عن أنها تشارك في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

 وتشير دراسة حديثة أجرتها مؤسسة راند إلى أن الصين تخطط فعلًا لإنشاء مرافق لوجستية عسكرية إضافية في أنحاء العالم جميعها لدعم قواتها البحرية والجوية والبرية، وقد تشكل مثل هذه الشبكة في نهاية المطاف تحديًا للعمليات العسكرية الأمريكية مع تطور الأهداف العسكرية العالمية للصين.

ولكن جهود الصين الرامية إلى ترسيخ وجود عسكري عالمي تواجه تحديات مماثلة لتلك التي تواجهها الولايات المتحدة، فقد تفرض الدول المضيفة قيودًا، وقد تؤدي المعارضة الشعبية إلى تعقيد قدرة بكين على الوصول إلى المواقع الإستراتيجية.

ومع ذلك، فإن النمو العسكري الصيني واضح، مع ورود تقارير عن محطات تنصت سرية في كوبا، وأنشطة بحرية صينية قريبة من الولايات المتحدة، إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية هذا الصيف رسو السفن الحربية الصينية في قاعدة ريام البحرية في كمبوديا لما يزيد على نصف عام، رغم أن هذه التطورات لم يُعْتَرَف بها رسميًّا، وفقًا للتقرير.

على الرغم من أن عدد القواعد الصينية صغير حاليًّا مقارنة بالولايات المتحدة، فإن الخبراء يحذرون من تأثيرها المحتمل على الأمن الإقليمي، خاصة في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي، ما يستدعي عدم الاستهانة بتلك القواعد.

ومع ذلك، يشير تقرير صادر عن مؤسسة راند في يونيو الماضي، إلى أن القواعد العسكرية الصينية في الخارج من غير المرجح أن تستخدم في عمليات هجومية استباقية ضد القوات الأمريكية حتى عام 2030 على الأقل.

وعوضًا عن ذلك، من المرجح أن تدعم هذه القواعد عمليات إجلاء غير المقاتلين، ودوريات الممرات البحرية، وجمع المعلومات الاستخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce