رئاسة بلديّة جون: (لا) كباش شيعي – كاثوليكي

هدوء وسكينة يُخيّمان على بلدة جون إحدى القرى الـ6 التي تشكل إقليم الخروب الجنوبي. إقامة عدد كبير من أبنائها في بيروت ومدن أخرى أبقت على مساحات خضر شاسعة على طول وديانها وتلالها. وربّما ساهمت طبيعتها وقلّة قاطنيها في زيادة اللحمة بين أبنائها. في عزّ المعارك السياسيّة والبلديّة قد يتناغم حزب القوّات اللبنانيّة مع الحزب الشيوعي تارةً، ومع حزب الله وحركة أمل، تارة أخرى، ومع التيّار الوطني الحر تارة ثالثة.الرايات الحُسينية في عاشوراء ترتفع جنباً إلى جانب تمثال ابن الضيعة المطرب الراحل نصري شمس الدين، في بلدةٍ شُيّد فيها أوّل دير في المنطقة في العصور الحديثة: دير المخلّص الذي يُعدّ أشهر المعالم التاريخية والأثرية في المنطقة، وتحوّل إلى رمز لوجود أبناء الطائفة الكاثوليكيّة في جون.
ترتسم الابتسامة على وجه سيدة مسنّة لدى سؤالها عن دير المخلّص، وتُجيب بأنّه يدلّ على أنّ «جون هي أرض الكواتلة». وهي الإجابة نفسها لـ«كواتلة» البلدة التي تُعدّ مركز الثقل الكاثوليكي في المنطقة. ولذلك، منذ أن دخلت صناديق الاقتراع إلى جون، اتّفق أبناؤها على أن يكون رئيس البلديّة كاثوليكيّاً، وهو نفسه رئيس اتّحاد بلديّات إقليم الخروب الجنوبي. تغيّرت الديموغرافيا ، وقلّت حماسة «كواتلة» جون على التردّد إليها أو المشاركة في استحقاقاتها البلديّة، حتّى كاد عدد المقترعين الشيعة عام 2016 يوازي عدد المقترعين المسيحيين مجتمعين (موارنة وكاثوليك). ولكن، رغم ذلك، بقي العرف «مقدّساً لا يُمس»… إلى أن تسبّب التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بـ«خضّ» البلدة.
عقب التمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة سنةً إضافيّة، دعت قائمّقام جبل لبنان مارلين قهوجي إلى جلسة لانتخاب رئيس للبلديّة في مكتبها، بعدما قدّم الرئيس السابق جورج مخّول استقالته التي قُبلت في 6 آذار الماضي. رضخ الجميع للقانون الذي ينص على أن تؤول صلاحيات الرئيس إلى نائبه الشيعي، ولم يعترض الأعضاء على تفعيل توقيع نائب الرئيس حسام عفيف شمس الدين، كـ«رئيس للبلديّة بالتفويض».
صحيح أن ولاية شمس الدين التي حدّدتها قهوجي حتّى نهاية أيّار كانت قصيرة، إلّا أن الرّجل، على ما يقول أعضاء المجلس البلدي، قدّم تجربة ناجحة في ضبط المُخالفات، وسارت المشاريع «متل النّار» في جون، كصيانة الملعب والمستوصف، على عكس ولاية مخّول «غير المُنتجة».
نجاح شمس الدين في مهامه دفع ببعض القوى الحزبيّة، وتحديداً «الثنائي»، إلى طرح استمراره في مهامه كـ«رئيس بلديّة بالتفويض» حتى موعد الانتخابات البلديّة، خصوصاً بعدما رفض أعضاء المجلس الثلاثة من الطائفة الكاثوليكيّة الترشّح. السبت الماضي، دعا شمس الدين المجلس إلى جلسةٍ تشاوريّة تسبق موعد جلسة الانتخاب (التي كانت مقرّرة أمس)، وعرض فيها استمراره في تصريف الأعمال. إلا أن أحد الأعضاء الكاثوليكي، العميد سليم خرياطي، رفض الطرح باعتباره «مسّاً بالعُرف ويؤدي إلى أزمة بغياب نائب الرئيس»، واقترح دعم ترشيح عضو المجلس، يوسف خرياطي، للرئاسة. وعندما رفض الأخير الترشّح ومثله فعلت عضو المجلس الكاثوليكية الثالثة، لبيبة برخش، طرح العميد خرياطي اسمه، علماً أنّه كان قد رفض الأمر سابقاً لارتباطاته خارج البلدة.
المطرانية «تفعّل» اتصالاتها
أثار ذلك بلبلة غير متوقّعة خلال الجلسة التي انتهت باستمهال الأعضاء المحسوبين على «القوات» و«التيّار الوطني الحر» حتّى يوم الإثنين، لاستمزاج الآراء والعودة إلى قياداتهم الحزبيّة. وقبل انتهاء المهلة، كان راعي أبرشيّة صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك، المطران إيلي حداد، قد دخل «على الخط»، وبدأ اتصالاته مع الأعضاء الكاثوليك لحثّهم على الترشّح، رافضاً أن تؤول الرئاسة إلى شيعي ولو بالتفويض، خصوصاً أنّ الطائفة خسرت أيضاً رئاسة اتحاد البلديّات بعدما آلت إلى رئيس بلديّة الزعروريّة إثر استقالة مخّول.
ومع رفض حداد استمرار شمس الدين في منصبه، كثرت «المواقف التحريضيّة التي عزّزت الخلاف وحوّلته إلى أزمة تحدق بوجود الكاثوليك في المنطقة»، بحسب بعض أبناء البلدة، مشيرين إلى أنّ الأمور تخطّت حدود جون، ووصلت إلى المختارة وعين التينة، فأرسل رئيس مجلس النوّاب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط رسائل تُشدّد على الالتزام بالعُرف. وهو ما أكّده أيضاً حزب الله الذي أكّد مسؤولوه، على مسامع المعنيين، رفضهم المساس بالعرف أو انتخاب شيعي بدلاً من «كاثوليكي»، وأنّ الأعضاء المحسوبين على «الثنائي» لن يتوجّهوا إلى القائمقاميّة لانتخاب أي عضو من دون توافق «الكواتلة» حوله، وسيسيرون بأي اسم ضمن هذا التوافق. فيما نُقل عن شمس الدين تأكيده «عدم الترشّح في وجه كاثوليكي».
إلا أن ذلك لم يحل دون مزيد من التأزم: بعض الأطراف المسيحية ترفض ترشيح يوسف خرياطي، حاسبة إياه من «حصة الثنائي»، والعميد خرياطي غير جدّي في ترشّحه، إضافة إلى عدم وجود توافق مسيحي على اسمه لعدم حماسة «التيار» لدعمه، وهو ما ينفيه العميد مؤكداً لـ«الأخبار» استمراره في الترشّح في انتظار جلسة يعقدها الأعضاء الكاثوليك الثلاثة في مطرانيّة صيدا للتشاور مع المطران وبلورة حل، على أن يلتقي حداد أيضاً بشمس الدين بعد عودته من السفر نهاية الأسبوع الجاري.
تدخّل المطرانيّة أفضى إلى تأجيل جلسة انتخاب الرئيس إلى الأسبوع المقبل. وفي ظلّ تسريباتٍ يتناقلها أبناء البلدة بأن حداد وافق، في اتصالٍ مع شمس الدين أول من أمس، على استمرار الأخير في تصريف الأعمال، وأن التيار الوطني الحر موافق على هذا الطرح أيضاً، ينفي المطران حداد ذلك، مشدّداً على أن «لا عداوة مع أحد أو رفضٍ لأحد بل هناك تواصل مع الجميع. وأُفضّل شمس الدين على غيره في الظروف الحالية وأتعاون معه، لكن أولويتي هي الحفاظ على العرف الذي سيؤدي كسره إلى نتائج سلبيّة، خصوصاً أنني لا أرى أي سببٍ للمس به». وأكّد لـ«الأخبار» أنه «سيكون هناك اجتماع مع جميع القوى في جون للتوصّل إلى حل يُراعي العرف».

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version