هل سيبقى لبنان الذي نعرفه كما عرفناه؟

لبنان قد يكون الدولة الوحيدة في العالم التي تعرض على مسرح منظومتها الحاكمة مسرحية عنوانها مفرح مبهج لكن مسارها ومصيرها حزين مبكٍ، ما يعكس واقع التناقض الذي يعيشه البلد في ضوء التزاوج القسري بين موجة هجرة غير شرعية معطوفة على إدمان الشعب للإرتزاق الفاسد ما يوحي بأنّ لبنان الذي نعرفه لن يبقى كما عرفناه.

أخذني المشهد اللبناني إلى دولة Maxifornia التي تخيلها الكاتب والمحلل والمؤرخ العسكري الأميركي Victor Davis (s) Hanson في كتابه الصادر سنة 2003 تحت نفس العنوان وإعتبرها البديل من ولاية كاليفورنيا التي غرقت في “الهجرة غير الشرعية الهائلة من المكسيك المتزامنة مع ذوبان قدرة أميركا على أمركة المهاجرين الجدد ما يحول دون إنضمامهم إلى الولايات المتحدة أو المكسيك” فيتوجهون إلى تأسيس دولتهم المؤتملة، ما يطرح السؤال:

هل سيتحول لبنان إلى “ليبانولونيا”؟

لا أعرف، ولكن ما أجرؤ على أن ألتزم به لشدة رفضي له ربما، هو أنه لن يكون Libairna أي”متأيرن”، ولن يكون Libanozia أي “متأسرلاً”، ولن يكون Lionelia أي أسدي التوجه وفق الشعار البائد “شعب واحد في دولتين”

فأين سيكون لبنان في ضوء خطة التعافي التي تحولت إلى مسرحية لحظتها اتفاقية إطار مبدئي مع صندوق النقد الدولي في نيسان العام 2022 وأقرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل يوم من تحولها إلى حكومة تصريف أعمال في 20 أيار 2022 تعهدت السلطة اللبنانية بموجبها تحقيق خمس خطوات:

1-إعادة هيكلة القطاع المالي.

2- تنفيذ إصلاحات مالية تساعد على الاستثمار في الإنفاق الاجتماعي، وإعادة الإعمار والبنية التحتية.

3- إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة ولا سيما قطاع الطاقة.

4- تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

5- إعتماد نظام للنقد والصرف يتسم بالموثوقية والشفافية.

خطة التعافي هذه طبّق عليها المثل الشعبي القائل “إسمع تفرح جرب تحزن”. فقد فرح الرأي العام اللبناني عندما سمع ببنودها وحزن عندما لم يطبق منها شيء بعد قرابة السنتين، ولا يوجد ما يوحي بأنّ أيًّا من خطوات التعافي ستطبق في المستقبل القريب لأنّ مشهدية لبنان لا تتضمن ظهور أي جسم معافى قادر على إقتحام مملكة تحالف قوى الفساد التي تدير البلد وفق قاعدة “من ينهش يطعم من يقضم… والجميع سعداء”.

لا يمكن تسمية التمساح “الناهش” عدواً لأن نقار الخشب “القاضم” يعتبرك عدوه تقضي على إرتزاقه المكون أساساً من فضلات تتسرب من بين أسنان التمساح. فيعاديك ويقاتلك.

وإذا سألت عن أسباب تفشي الفساد الذي ينخر في جسد البلد يحيلك التمساح إلى الأغراب، وتحديداً إلى النازحين السوريين باعتبارهم “كل البلاء”.

ولكن، أليست التهمة قائمة على التجني كما كل نظرية عنصرية؟

لا شك في أنّ الأجنبي الذي يدخل لبنان عبر المعابر غير الشرعية ويقيم فيه من دون أصول نظامية أو قانونية هو حتماً مخالف.

ولكن: السؤال الأخلاقي الأكثر أهمية وصدقية وواقعية ومنطقية هو: لولا جود غطاء لبناني هل كانت المخالفة ستوجد وتنتعش وتزدهر وتنتشر؟ ويتدفق سيل الأسئلة:

– هل يعاقب المسؤول اللبناني الذي يغطي النزوح غير الشرعي إلى لبنان؟

– هل يعاقب العنصر اللبناني الذي يُزعم أنه يصادر دراجة آلية غير قانونية يملكها أجني غير حاصل على دخول نظامي وإقامة قانونية، ثم يخلي سبيلها لقاء رشوة؟

– هل يعاقب المسؤول أو الموظف أو العنصر أو الطاقم اللبناني الذي “يطنش لقاء لزوم ما يلزم” عن مخالفات المؤسسات التجارية التي يملكها أو يديرها لبنانيون وتستخدم غير لبنانيين من خارج الأطر القانونية؟

– هل يعاقب المالك اللبناني الذي يؤجر عقاره لأجنبي غير حاصل على إقامة قانونية؟ لماذا لا يعاقب ولقاء ماذا لا يتم الإبلاغ عنه؟

– هل يعاقب المالك اللبناني الذي يؤجر عقاره، منزلاً كان أم محلاً، للبناني أو أجنبي لممارسة أعمال غير قانونية، كافتتاح مقاهٍ في أبنية سكنية لمدخني أراكيل المعسل الملغومة لتحسين مزاج المتدفقين للمقامرة وممارسة الميسر المحرم دينياً، ووضعياً، المكروه أخلاقياً والمذموم إجتماعياً؟

– هل يعاقب من يصدر وثيقة “مكتوم القيد” لشخص أجنبي معروف الوالدين، لكنه يحتاجها للحصول على الجنسية اللبنانية بموجبها لدى بلوغه سن الرشد، ثم يضم بقية عشيرته إلى “سجله”؟

– هل يعاقب من يفتح صالون الشرف في المطار لمن لا يحمل تأشيرة دخول وليس ضيفاً على الدولة اللبنانية؟

– هل يعاقب اللاجئ المقيم في لبنان من دون أن يكون لبنان معترفاً بهوية لجوئه؟ يعني بوضوح أكثر: هل تُقبل إقامة عناصر الجماعات الفلسطينية إذا كانوا من غير اللاجئين سنة 1948 أو من غير المنتسبين إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها لبنان بصفتها “الممثل الشرعي (والوحيد) للشعب الفلسطيني” أو من غير اللاجئين المسجلين لدى وكالة الأونروا في سوريا والهاربين من “عدالة” نظام الأسد، علماً بأنّ الطوفانين كلهم ليسوا بأعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية؟

– ماذا يمكن أن يحصل إذا تعرض أحد مخيات اللاجئين الفلسطينيين إلى القصف بحجة إستهداف منشآت لجماعة الطوفان؟

– هل عوقب، أو ممكن أن يعاقب، من إستقبل على أرض لبنان الإرهابيين الحوثيين الذين رفعت قرصناتهم في البحر الأحمر أسعار السلع المستوردة؟

– وأخيراً، وليس آخراً، لماذا يعاقب الأمن العام طالبي الحصول على جواز سفر بإجراء معاملاتهم مع مختار القيد، مع أنّ غالبيتهم تقيم في بيروت ما يبعدهم عن مختار قيدهم في ضيعهم وبلداتهم مئات الكيلومترات؟

– ألا يعلم الأمن العام أنه حتى البيارتة أبناء بيروت يعيشون تحت الإحتلال الفارسي منذ 7 أيار العام 2008 ولا يستطيعون الوصول إلى مخاتير قيدهم، وأحياناً إلى مخافر مناطق قيدهم، ولا يستطيعون تقديم دعاوى قضائية ضد من سرقوا منازلهم في 7 أيار لأن شهودهم ما زالوا يعيشون تحت الإحتلال الفارسي بموافقة منظومة السلطة؟

سيل الـ “لماذا” وشقيقتها “هل” طويل وليس آخره سؤال على سبيل التمني: هل يوجد لدينا، نحن اللبنانيون المسلمون السنة، مآذن ترعى سلامة أبنائها كما يرعى جرس كنيسة رميش سلامة ومصالح أولاده، علماً بأنّ مهمة المآذن في الإسلام هي كمهمة أجراس الكنائس لدى الأشقاء المسيحيين: الدعوة إلى التجمع للصلاة أو لأمر آخر…. الدروس الدينية تعطى في قاعات دور العبادة وليس عبر المآذن.

محمد سلام – هنا لبنان

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version