أين ميقاتي من الدولة والدويلة؟
تصدّر موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي ربط فيه التهدئة في لبنان وانطلاق الحل السياسي حول الحدود البرية بوقف إطلاق النار في غزة، واجهة الأخبار في الأسبوع المنصرم بعد ما رأى فيه الفريق السيادي تبنياً لوجهة نظر حزب الله وتغطية لشعار «وحدة الساحات» الذي تحدث عنه أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، ما يلحق الضرر بلبنان، إذ لا يجوز للدولة ان تتحوّل في رأي هذا الفريق إلى مفاوض بإسم محور الممانعة وان تبرِّر له ما يقوم به، بل عليها التشديد دائماً على رفض قرار الحرب الذي انتزعه منها حزب الله.
وما زاد في حدة الانتقاد لرئيس الحكومة هو وصفه سلوك حزب الله بأنه «يتمتع بعقلانية ويضع مصلحة لبنان فوق أي مصلحة أخرى» وذلك خلافاً لما يعتقده كثير من اللبنانيين يستحضرون سلسلة ارتكابات الحزب والاغتيالات التي نفّذها بحق قيادات 14 آذار/مارس وفي المقدمة رئيس حكومة سابق هو رفيق الحريري إضافة إلى مهاجمة بيروت والجبل واعتبار يوم 7 أيار/مايو يوماً مجيداً من أيام المقاومة.
وكان الموفدون الدوليون الذين زاروا لبنان والتقوا المسؤولين الرسميين خرجوا بإنطباع أن هناك وحدة مسار ومصير بين جنوب لبنان وغزة كما كانت وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا، وأن المعادلة هي أن جبهة المشاغلة والإسناد لن تتوقف في الجنوب طالما الحرب مستمرة على غزة مهما ارتفعت وتيرة التهديدات الإسرائيلية والرسائل الدولية التحذيرية وآخرها ما حمله الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين قبل أن يغادر خالي الوفاض.
وما يخشى منه معارضو الحرب في الداخل اللبناني هو أن ظهور الحكومة متماهية مع حزب الله بدل التمايز عنه كما حصل في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 سيعرّض البلد بأكمله لمخاطر كبيرة وليس فقط البيئة الحاضنة للحزب، ولن تنفع عندها المكابرة والترحيب بالحرب كما فعل السيد نصرالله والتعويل على صواريخ المقاومة الدقيقة القادرة حسب حزب الله على بلوغ المراكز الاستراتيجية الإسرائيلية والمطارات والبنى التحتية ومنصات النفط، ولن ينفع كذلك تعداد خسائر العدو في الجانب الآخر والحديث عن تهجير عشرات الألوف من سكان المستوطنات الشمالية وتجاهل الخسائر اللبنانية في الحجر والبشر ونزوح عشرات الألوف أيضاً إلى مناطق داخلية وما يمكن أن يخلّفه الطيران الحربي المعادي من دمار في لبنان وبناه التحتية المهترئة أصلاً في ظل أزمة اقتصادية ومالية تمنعه من إعادة النهوض لأنه قد لا يجد مَن يقف إلى جانبه لتقديم الدعم له كما حصل بعد حرب تموز/يوليو 2006 حيث تكفلت قطر والسعودية بإعادة إعمار العديد من القرى والبلدات الحدودية، فيما تل أبيب تبقى أقدر على استقطاب المساعدات والدعم الدولي لترميم أي خسائر يمكن أن تتكبدها جراء حربها.
ولكن الرئيس ميقاتي المعروف بوسطيته بدل الاستجابة لمواقف المعارضين الذين دعوه إلى العودة عن مواقفه وعدم تجيير أي قرار استراتيجي لحزب الله وما يمكن أن يؤدي إليه من تعريض لبنان لخطر الحرب المدمرة، استغرب الحملات المتجددة عليه وعلى الحكومة، وطالب الأطراف المعنية بتقديم حلول عملية لما يحصل بدل الاكتفاء بالانتقاد، والرهان على متغيرات ما أو رهانات خاطئة. واعتبر ميقاتي أن «ما نشهده من توترات متنقلة بين الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان والبحر الأحمر وغيرها من الأماكن، يؤكد صوابية ما حذّر منه على الدوام ومطالبته بشمولية الحل لكل الأزمات» رافضاً ما سمّاها «المزايدات المجانية» وأنه «ليس في حاجة إلى شهادة حسن سلوك من أحد».
وقد أدى موقف ميقاتي إلى مزيد من الردود خصوصاً من قبل كتلة «تجدد» التي دعت رئيس الحكومة لحماية لبنان والدولة، موضحة أن ما قالته «ليس مزايدة بل تصويب وتنبيه لخطورة التماهي مع مشروع تحويل لبنان مرة جديدة إلى ساحة مقايضة لمشروع الممانعة». وعلّقت على دعوة ميقاتي لتقديم الحلول بقولها «المطلوب أن تكلف الجيش بتسلم مسؤولية الحدود وفقاً للدستور، وأن تعلن الالتزام بالقرار 1701 دون التباس ودون ربط ملف لبنان بالحرب على غزة».
وفي ضوء ما تقدم، فإن التراشق السياسي الداخلي سيستمر طالما استمرت المواجهات على الجبهة الجنوبية. وإذا كان رئيس الحكومة يدعو إلى عدم رفع سقوف المواقف وانتهاج الحلول المنطقية والواقعية بعيداً عن المزايدات، فإن المعارضين يعتبرون أنه إذا كان متعذراً دفع حزب الله للانضواء تحت كنف الدولة فليس مقبولاً أن تتحوّل الدولة إلى غطاء لسياساته الإقليمية وأن تتبنى أدبياته السياسية بدل أن تحافظ على سياسة النأي بالنفس التي كان ميقاتي أول من أطلقها ومارسها.
وتقول أوساط قواتية «إذا كان مفهومًا عدم قدرة الدولة على امتلاك قرار الحرب بسبب السطو على هذا القرار بالقوة، فإن مسؤولية من يتبوأ الموقع الرسمي ان يكون أمينًا لدوره ومسؤوليته وان يضع حدًّا فاصلاً بين ما هو للدولة وحدها، وبين ما هو للدويلة، وذلك بانتظار ان تستعيد الدولة قرار الحرب الذي هو ملكها وحدها، فقرار الدولة لا يجيّر لأحد». وتضيف الأوساط: «ما تقدم يفسر الأسباب الموجبة لخوض المعارضة السيادية مواجهتها الرئاسية بهدف انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة لا تتنازل عن حقها وواجبها الدستوري، ولا تُجيِّره لأحد، وتكون مؤتمنة على الدستور، وتضع حداً فاصلاً وقاطعاً بين دورها ودور الدويلة».
فهل يعود الرئيس ميقاتي إلى المربع الأول عندما عبّر صراحة في بداية المواجهات عن مواقف مغايرة لمواقف حزب الله، ولاسيما أن الجميع يدرك أن ميقاتي الذي هو أحد أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين لا يمكن أن يفضل الدويلة على الدولة ولا يمكن أن ينقلب على اتفاق الطائف أو أن يرهن البلد لمحاور خارجية.