وجّه نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، طلب فيه إدراج مشروع قانون أعدّته لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان حول إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها (أو ما يُعرَف بإعادة هيكلة المصارف)، على جدول أعمال مجلس الوزراء في أقرب فرصة، والإسراع في إحالته إلى مجلس النواب.
في ظل هذا الإصرار على التعجيل في درسه وإقراره، يجوز السؤال عن الهدف من هذا المشروع القانون: العمل على إفلاس المصارف وتصفية القطاع المصرفي برمّته؟ أم إعادة إحيائه واستعادة دوره على الساحة المالية بما يصبّ في إعادة النبض إلى شرايين الاقتصاد الوطني فإلى كل شرائج المجتمع من دون استثناء؟
مصدر مالي لـ”المركزية” يؤكد “من حيث المبدأ” أن جميع الأطراف متّفقون على أن هذا المشروع المُشار إليه يهدف إلى إعادة إحياء القطاع المصرفي، وإلا لكان هناك طرق ووسائل عدة ومختلفة لإعلان إفلاسه… ويقول: انطلاقاً من الإقرار بهذا الهدف خدمةً للاقتصاد وللمودِع على السواء الذي يسهَل عليه تحصيل حقوقه من المصرف إذا ما بقي مستمراً في مزاولة نشاطه، وطالما أن الهدف إيجابي بامتياز، يُفترض أن يكون مضمون هذا القانون يتماهى مع هذا الهدف. علماً أن مشروع القانون كما هو مطروح حالياً جيّد في مجمله، إنما هناك بعض الملاحظات التي يجب الالتزام بها وإجراء بعض التعديلات في ضوئها، كي لا يحيد القانون عن مسار الهدف المرسوم وينحرف نحو التصفية بدل إعادة الهيكلة وتنظيم العمل المصرفي!
أما الملاحظات فيلخّصها المصدر بالنقاط الآتية:
– في ما يتعلق بالمادة الرابعة: تتناول كما هو وارد في القانون، البدء بإلغاء رساميل المصارف بمعنى تحديد كيفية تحميل المصارف أي جزء من الخسائر… وأن هذا القانون ينطبق على فروع المصارف اللبنانية العاملة في الخارج في حال كانت القوانين المرعيّة الإجراء في الدول التي تتواجد فيها هذه الفروع، تسمح بذلك.
“هذه المادة خطيرة للغاية” يؤكد المصدر “لكون القوانين المعمول بها في الخارج لا تسمح بتطبيق القوانين القائمة في لبنان، لأن الفروع هي مؤسسات تتمتّع باستقلالية تامة وتخضع لمعايير ونُظم الدول التي تعمل فيها، وهذا الأمر لا يحتاج إلى أي برهان بدليل أن الفروع المصرفية ما زالت تعمل في الخارج من دون أي قيود أو تحفظات أو ما شابه…
فالمصارف العاملة في لبنان توقفت عن الدفع وخضعت لهذه الأزمة “النظاميّة” القائمة في البلاد، فيما المصارف العاملة في الخارج لا تزال مستمرة حتى اليوم لا بل توسّع نطاق عملها وخدماتها وتعزّز نشاطها المصرفي إلى أقصى درجة! كما أن الشريحة الكبرى التي تتعامل معها هذه الفروع المصرفية في الخارج، تتألف من العملاء اللبنانيين المقيمين في الخارج، بما يدل إلى أن اللبناني لا يزال لديه الثقة بقطاعه المصرفي وتحديداً بالمصرف الأمّ، على رغم الأزمة القائمة في لبنان، لعلمه بأن الدولة اللبنانية هي المسؤولة الأولى عن هذه الأزمة وليس المصارف.
تجدر الخلاصة هنا، وفق المصدر، أن “هذه المادة لا تنطبق إطلاقاً على الفروع المصرفية العاملة في الخارج… لكن الخوف من أنه مجرّد أن يمرّ هذا النَص في قانون لبناني سيجفّل عملاء المصارف وقد يدفعهم إلى العدول عن التعامل معها… من هنا يمكن تجنّب إثارة علامة الاستفهام لديهم عبر تعديل هذه المادة”.
ويشدد القول: لذلك، المطلوب اليوم حذف هذه المادة نهائياً وحتى لا لزوم البحث في مضمونها لأنها غير قابلة للتطبيق إطلاقاً، كما لا لزوم لخلق مشكلة معنوية تجفّل المتعاملين مع المصارف في الخارج وتسبّب لها خسائر في إيرادات تستعملها لتغذية صندوق استرداد الودائع ربما أو لدعم الاقتصاد وغير ذلك..
– في ما يتعلق بالمادة 46: التي تنصّ على بند إعادة الودائع إلى أصحابها، تتحدث عن الحدّ الأدنى المطلوب لإعادة الودائع موضع البحث، علماً أن ما كان متفّق عليه سابقاً (100 ألف دولار) لم يتم إدراجه في هذا القانون، بل تطرقت المادة المُشار إليها إلى أن يصار إلى التوافق على المبلغ الذي سيُدفع للمودِعين، أي المبلغ الموحّد الذي سيُدفع لجميع المودِعين الذين لديهم هذا المبلغ وما فوق.
كذلك نصّت هذه المادة على أن المصارف التي لديها أموال إضافية سيتم استخدامها بطريقة ما، لإعطاء مودِعيها مبالغ أكبر.
وهنا يشدد المصدر أيضاً على “وجوب تعديل هذه المادة، أولاً كي تصبح مُنصِفة وعادلة تساوي بين جميع المودِعين، ثانياً لإفساح المجال لاستمرارية المصارف إذ إن المطلوب ليس تصفية المصرف الذي لا يزال يملك ملاءة ملحوظة من السيولة، في حين يجب تشجيعه على تعزيز السيولة لديه لأن اقتراح صندوق استرداد الودائع يطرح مشاركة المصارف في تغذية هذا الصندوق بنسبة مئوية محددة من أرباحها طوال مدة عمل الصندوق.
ويخلص هنا إلى القول “عند دعم القطاع المصرفي نكون بذلك ندعم الاقتصاد لاستعادة عافيته الذي من خلاله ندعم جميع شرائح اللبنانيين بفئاتهم كافة، المودِع أو غيره”.
ولم يغفل المصدر المالي التشديد على “وجوب أن تنطلق كل مشاريع القوانين التي ستخضع للدرس ومن بينها إعادة هيكلة المصارف، من روحيّة الاعتراف بأن هذه الأزمة “نظامية”. فهي ليست أزمة مصارف ولا أزمة سيولة ولا غيرها، بل إنها “أزمة نظامية” Systemic Crisis بامتياز… صابت الجميع حتى المصارف التي لم تكن مكشوفة على الدولة اللبنانية!
والجدير ذكره في السياق، أن التوصيف العالمي للأزمة “النظاميّة” يشير إلى أن الـSystemic Crisis تنطبق على الأزمة اللبنانية.
ويحدّد المواصفات المندرجة في هذا التوصيف بما يلي:
أولاً- إذا كانت تداعيات الأزمة تؤثر على الاقتصاد الكلي، أي على الـmacro-economy.
ثانياً- إذا أثّرت الأزمة على كل المؤسسات المالية والمصرفية المرتبطة بالنظام المالي.
ثالثاً- إذا تسبّبت الأزمة بتفاقم مشكلات الديون على مستوى الشركات أو الأفراد أو الحكومات.
رابعاً- إذا تسبّبت الأزمة بتراجع الثقة بالنظام المالي وتصاعد التوترات بين المؤسسات المالية والجمهور.
… كل هذه المواصفات تنطبق تماماً على التداعيات الناتجة عن الأزمة القائمة في لبنان، وبالتالي من البديهي القول إن لبنان يواجه “أزمة نظاميّة” Systemic Crisis.