أشار وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل في تصريح، الى أنه “في الوقت الذي تجري فيه مناقشات بناءة وقيّمة لموازنة العام 2024 في لجنة المال والموازنة، تخرج بين الحين والآخر أصوات منها ما بُني على أسس علمية وواقعية، ومنها خلاف ذلك لا يمكن وضعها إلا في إطار الكسب الشعبوي ليس إلا”.
وقال: “إننا إذ نرحب بكل موقف بناء ونتعامل معه بمسؤولية، نجد أنفسنا أمام بعض الأصوات الخارجة في مداولاتها عن البناء العلمي للموازنة نوضح التالي:
أولا: تؤكد وزارة المالية ان مشروع موازنة 2024 يصب في خطة التعافي الموضوعة من قبل الحكومة، وهي استكمال لمسار التصحيح الذي بدأ مع اقرار موازنة 2022 والاجراءات المؤاتية التي أقرّتها المالية العامة، والتي أنتجت اليوم استقرارا ماليا ونقديا وثباتا في سعر الصرف كما ولجمت التقلبات الحادة في وتيرة التضخم والتدهور في الاوضاع المعيشية التي عانى منها المواطنون على اكثر من ثلاث سنوات.
ثانيا: إن وزارة المالية سعت بجهد خلال السنتين المنصرمتين ورغم كل العقبات والتحديات والظروف السياسية المعاكسة الى تمويل القطاع العام وتأمين الخدمات العامة، وتحقيق توازن مالي، مما يحفّز الاستقرار النقدي ويعيد مسار التعافي والنهوض، وهذا ما تم تحقيقه اليوم الى حد ما.
غير أن هذا الاستقرار يبقى غير محصن ولا مستدام، خاصة في الظروف الامنية والاقليمية الراهنة، ان لم نستكمل المسار التصحيحي مع مشروع موازنة 2024 والنهج الذي سلكناه سابقا في موازنة 2022.
ثالثا: إن تعاقب الازمات المالية والنقدية والمصرفية والاقتصادية المتتالية منذ العام 2019 أدى الى انخفاض حادّ في قيمة العملة وموارد الخزينة التي أذابها التضخم، كما وأن الفروقات في سعر الصرف خلقت خللا وأطاحت بمبدأ المساواة والعدالة في ما يخص توزيع الاعباء بحسب القدرات، فاستفادت بعض الشرائح على حساب المصلحة العامة.
رابعا: إن تكييف الرسوم والضرائب مع نسب التضخم وتصحيح الخلل الناتج عن فروقات سعر الصرف يخدم المصلحة العامة، ويساهم في دعم الاستقرار المالي والنقدي ويمكّن العدالة بين الفرقاء في الاقتصاد دون تحميل كلفة التصحيح على حساب شريحة ما دون الاخرى (وغالبا ما يكون المودعون هم الشريحة التي تتحمّل العبء الاكبر من أثر الازمة).
خامسا: إن عدم التصحيح يعني هدر المال العام، ما يهدد كيان واستدامة مؤسسات الدولة، كما توفير الحد الادنى من الخدمات العامة، من أمن، ودواء، وتعليم، ومساندة الشرائح المهمشة، الى ما هنالك من اطاحة في امكانيات الادارة الضريبية والامنية في مكافحة التهريب ولجم القطاع غير الشرعي الذي يشكل اليوم خطرا متناميا على الاقتصاد.
كما وأن مواجهة المخاطر التي تواجه البلاد اليوم (المخاطر الامنية من جراء اندلاع الحرب في غزة ومعالجة أزمة اللاجئين المتفاقمة)، تستدعي توفر ادارات دولة بناءة وفعالة.
سادسا: إن التهويل بأن الرسوم تزداد 30 ضعفا، فلا بد من الاشارة أن الليرة خسرت 99% من قيمتها تجاه الدولار الاميركي، وانخفض سعر صرف الليرة 60 ضعفا نسبة لما كان، علما اننا في زمن تضخم وصل الى 265% أذاب قيم الرسوم التي أصبحت ما دون كلفة الخدمة المقدمة، فلا بد من تكييف قيمها الى حد ما، مع نسب التضخم.
كما وأن معظم هذه الرسوم لا تطال الاستهلاك الرائج، وخاصة استهلاك الاسر ذوي الدخل المحدود لان معظمها خارج السلة الاستهلاكية، اضافة الى أن غالبية هذه الرسوم هي رسوم غير متكررة ولا تدخل ضمن استهلاك الاسر اليومي.
سابعا: يعيدنا التهويل إلى ما سبق تطبيق الدولار الجمركي، وقد ظهر اليوم أن تطبيق الدولار الجمركي لم ينعكس سلبا على الاسعار ولم يرفعها بالشكل الكارثي الذي تنبّأ له البعض، بل انه ساهم الى حد كبير في اعادة الانتظام المالي وتمكين المالية العامة، وتأمين الاستقرار النقدي، وكما أشرنا مرارا وتكرارا أن التأخّر في اقرار الاجراءات له كلفة باهظة على الاقتصاد وعلى المواطن كما كان الحال مع التأخير في اقرار موازنة 2022 واجراءاتها بما فيها الدولار الجمركي.
ثامنا: إن مشروع موازنة 2024 تسعى الى:
أ- تأمين الاعتمادات اللازمة لتيسير المرفق العام والعمل في الادارات العامة بفعالية أكبر (لا يجوز الاستمرار في الصرف على قاعدة الاثني عشرية من موازنة 2022 التي لم تعد اعتماداتها تتماشى مع احتياجات اليوم).
ب- التمويل الذاتي دون احداث عجز يستدعي تدخل المصرف المركزي واستنزاف الاحتياطي ما يهددّ الاستقرار المالي والنقدي، وذلك من خلال تعزيز الايرادات والتكيّف مع سعر الصرف الرائج وتفعيل الالتزام الضريبي، دون زيادة عبء ضريبي على كاهل المواطن كما يزعم البعض (مع التذكير ان العبء الضريبي انخفض من 16% من الناتج المحلي كمعدل وسطي للسنوات الاخيرة ما قبل الازمة الى 4% مقدر بحسب احصاءات عام 2022، ما يعكس الاثر السلبي للتضخم وفروقات سعر الصرف، ومدى عدم الالتزام الضريبي)”.
وخلص الى ان: “وزارة المالية اذ تؤكد استعدادها التام لتقبل اقتراحات ومناقشات بناءة من شأنها ان تخدم المصلحة العامة بعيدا عن الشعبوية والتهويل في سبيل تحييد البلاد من الانزلاق مجددا في دوامة الانهيار وتحث السلطات المعنية على تبني الإجراءات المقترحة اللازمة التي تصب في مسار التعافي المالي، فهي مجبرة على الإشارة إلى أن الانتقاد البناء مجد ومرحب به ويساهم في تعزيز الامكانيات في سبيل السير بالعمل نحو النهوض ومواجهة التحديات، على عكس التصاريح الشعبوية التي لا تخدم المصلحة العامة خاصة في هذه الظروف الصعبة”.