أخذ العديد من الأوساط اللبنانية، منهم أوساط مارونية فاعلة، على بكركي، التي تُختزل بشكل عام بشخص البطريرك، أنها كانت شبه غائبة عن مسار الأحداث الطارئة التي فرضت حضورها على منطقة الشرق الأوسط، منذ إطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وما نتج عنها من هجوم وحشي لجيش الاحتلال الاسرائيلي على غزة، وجعلها تعيش أياماً مجنونة من القصف العبثي الذى أدى إلى نحو عشرة آلاف شهيد حتى الآن، وإلى تصعيد مقلق في الجنوب اللبناني.

التبرير الأول للغياب جاء من فعاليات قريبة من الصرح البطريركي الماروني، وفيه أن “غبطته” يشارك منذ حوالي الشهر في روما باجتماعات كنسية على أعلى المستويات. ولكن الأوساط المشار إليها ترى أن هذا التبرير ناقص المواصفات، لأن المشاركة في المؤتمرات لا تمنع من اتخاذ مواقف ذات دلالات في ظروف استثنائية، لا بل غير مسبوقة.

التبرير الثاني من تلك الفعاليات اعتبر أن ما يشغل بال بكركي، منذ سنة ونيّف، هو الفراغ الحاصل في موقع رئاسة الجمهورية، والذي يؤشر، يوماً بعد آخر، إلى أن مختلف الأفرقاء الإقليميين والدوليين يعكسون عدم اهتمامهم بانتخاب رئيس أو حصول فراغ لأسباب مختلفة ومتناقضة.

وهذا التجاهل وعدم الاهتمام الخارجي، يتزامن مع تشرذم مسيحي، ماروني تحديداً، إزاء كل المواضيع المطروحة، وعدم تسجيل أي تفاهم إزاء اختيار مرشح يكون مقبولاً من الجميع، أو على الأقل من الأكثرية، فلكلٍ رأيه وتشريحه لهذه الشخصية أو تلك، وإذا حصل تقاطع على شخصية ما، كما حصل مثلاً مع الوزير السابق جهاد أزعور، فضمن شروط متناقضة جداً، تظهر حقيقتها عند أول منعطف أو بعد أول جلسة “غير فولكلورية”.

ولذلك وسواه من التناقضات، ترى بكركي وسيدها نفسيهما يقفان مكتوفي الأيدي إذا ما فكرا يوماً بجمع مختلف الأطراف الموارنة تحت سقف الصرح البطريركي. فهذا الفريق يتحجج بالوضع الأمني، وذاك بوجوب اقتصار الحضور على عدد محدد، وثالث بضرورة توسيع البيكار ليشمل الجميع، “رؤوس وبلا رؤوس”، كما كان يحصل مثلاً في اجتماعات قوى الرابع عشر من آذار حيث كان بعضهم لا يمثّل الاّ نفسه!

وبين هذا وذاك يقف رأس الطائفة المارونية “مشدوهاً”، فيما الإقليم يعيش “جهنم حقيقية” في قطاع غزة، و”مطهر مكتمل المواصفات” في الجنوب اللبناني، بينما القوى الدولية تضع إصبعها على زناد البوارج وحاملات الطائرات، والجميع يفكر في إخراج القذائف النووية التكتية من مخابئها.

أما افرقاء الطائفة المارونية فإنهم يتصارعون على جنس ملائكة “الرجل” الذي يمكن أن يجلس في قصر بعبدا، في دورة رئاسية هي الرابعة عشرة في ترتيب حكم الموارنة للجمهورية اللبنانية منذ العام 1943، والتي يمكن أن لا يبقى منها “من يخبّر” في العام 2023، إذا ما سقطت واقعة إعادة رسم الجمهورية في خرائط الشرق الأوسط، الذي يرسمه كبار ليس بينهم من يهتم لهذه الطائفة، كما كان الحال في العام 1920 بعد طي أوزار الحرب العالمية الأولى.

مبدأ إثبات الوجود يقوم على أن من يملك ناصية القرار هو من يضحي ويستشهد، وليس من يتفرج من بعيد ويعدّ الضحايا!

Share.
Exit mobile version