المعركةُ التي يخوضها “حزب الله” عسكرياً في الجنوب لا تكتملُ إلا بعناصر أساسية سياسية في الداخل. صحيحٌ أن الحزب يمتلك الآن قدرة التحّكم بالميدان ضد العدو الإسرائيلي، لكنه في الوقت نفسه سيبقى تحت سقف عدم التصعيد لأنَّ الجبهة الداخلية ليست جاهزة وحاضرة لأي معركة أو حربٍ مفتوحة.

الأمرُ هذا قد يحسمهُ أمين عام الحزب السيّد حسن نصرالله في كلمته يوم الجمعة المقبل، والمتوقع أن يتضمن الخطاب تهديداً ووعيداً من دون أي دخولٍ في التصعيد. الدعوة لهذا الأمر جاءت في وقتٍ سابق وبشكلٍ مباشر من الرّئيس السابق للحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الذي جدّد قبل يومين موقفهُ الرافض لحدوث أي حرب، موجهاً رسالة إلى الأمين نصرالله يدعوه فيها إلى عدم الإنزلاق نحو المواجهة. الكلامُ الجُنبلاطيّ هنا يستندُ إلى أُسس تحذيريّة، فأي معركةٍ قد تحصُل لن يتحملها لبنان، وفي حال استطاع “حزب الله” خوضها فإنه بحاجة إلى مساندة داخلية.
حالياً، تلقى عمليات “حزب الله” ضد العدو الإسرائيلي تأييداً واسعاً من شرائح شعبية لبنانية واسعة باعتبارها “محدودة”، لكنها قد تُصبح مرفوضة  في حال توسّعت أكثر من دون وضع أي اعتبار لحسابات الحرب المدمرة.
الحزبُ هنا يُدرك هذا الأمر بشهادة جنبلاط، لكنه في الوقت نفسه يسعى إلى تأسيس أرضية سياسية لأي تحرُّك عسكري موسع قد يُبادر إليه في حال فُرضت الحرب عليه. هنا، فإن إسرائيل باتت تتحدث عن هذا الأمر، وتُلمح إلى أنها قد تتجهُ نحو “حزب الله” بعد القضاء على حركة “حماس” إثر الحملة البرية التي بدأتها، أمس الثلاثاء، في قطاع عزة. وانطلاقاً من المشهدية القائمة، بات لزاماً على الحزب تلقف أي مبادرة سياسية إيجابية اتجاهه ليبني عليها في حال حصول أي طارئ عسكري، ومثالٌ على ذلك هو موقف الحزب “التقدمي الإشتراكي”.
ضمنياً، فإن الحزب لا يريد تكرار سيناريو العام 2006 حينما وجد أن هناك تكتلاً سياسياً كبيراً في مواجهته، ولهذا، فإنّ ما يطمحُ إليه الآن هو التأسيس والتمهيد لمؤازرة سياسية تدعمه، وما يساعده في هذا الإطار هو عامل الوقت ومشهدية الميدان في الجنوب. هناك، تعتدي إسرائيل على القرى الحدودية ويردّ الحزب عليها إنطلاقاً من فكرة “المقاومة” التي تبنتها الحكومات المُتعاقبة في بياناتها الوزارية. الأساس في هذا الأمر  هو أن الحزب لم يذهب بعيداً نحو فرض الحرب بعكس ما تسعى إسرائيل لفعله، وفي حال حصل السيناريو المشؤوم وشنت إسرائيل عدواناً ضدّ لبنان، فعندها “حزب الله” لن يكون مخطئا إن ردّ ودافع عن نفسه، وبالتالي من الممكن أن يحظى بتأييد أطراف داخلية يمكن أن تشكل أرضية له أثناء اندلاع أي معارك موسعة على الجبهة.. فبكل بساطة، إسرائيل فرضت الحرب ولبنان يدافع عن نفسه على قاعدة “البادئ أظلم”.
وللإشارة، فإن كل هذه الأمور محكومة بمسار التصعيد في الميدان، وقد لا يصلُ الحزب إلى هذه المرحلة من التوتر الكبير في حال فرضت التسوية نفسها على الصعيد الإقليمي وضمن غزة بالتحديد، لكنه على الأقل يكون قد أدّى دوراً مطلوباً منه، وأسدى الرسائل التي يريدها ضد إسرائيل من دون الدخول في حربٍ ستكونُ مُدمّرة لا محال.. ولكن، ما الثمن السياسي الذي سيناله الحزب بعد كل ذلك
سياسياً، سيكون الحزب قد حظيَ بتأييد أطراف كثيرة كانت ضده، وسيكون قد رمّم صورته الأساسية على أنه في الأساس حركة مقاومة ضد إسرائيل. كذلك، ومن خلال معركته الحالية، سيكون الحزب قد استطاع مُجدداً إستمالة جزء من الشارع المسيحي إليه مجدداً عبر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي تحرّك لتشكيل تفاهم وطني وسط التوترات القائمة. الفكرةُ هنا أساسية، فـ”الحزب” يحتاج إلى الغطاء المسيحي بشكل قاطع كونه يمثل درعاً داخلياً للحزب وورقة قوة له مثلما حصل إبان حرب تموز عام 2006. لهذا السبب، فتح الحزب كل قنواته مع باسيل الآن، ووجد في الأخير سبيلاً للحصول على الحماية المسيحية التي ستكون مهمة في حال اندلاعِ أي مواجهة ضد إسرائيل.
لهذه الأمور وغيرها، فإنّ الخلفية السياسية لا يتجاهلها “حزب الله” حتى وإن كان مشغولاً في الميدان، فلا يُمكن بتاتاً فصلُ أي محورٍ عن الآخر، فالميدان يُكمل الجانب السياسي والعكس صحيح.. وإستناداً إلى ما ورد، فإنه يمكن اعتبار الحزب حالياً أقوى من العام 2006 كونه يدير المعركة بهدوءٍ وضمن الأطر التي يريدها من دون مفاجآت تُرهق اللبنانيين، وكونه يرى دعماً سياسياً يجنبه خضة داخلية في الحرب وبعدها، إن حصلت فعلاً..   
Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version