مع الغطاء الذي منحه الرئيس الأميركي جو بايدن لبنيامين نتنياهو بالإستمرار في الحرب العبثية، بات الإنزلاق الإسرائيلي حتمياً نحو التورط. إذ لم يعد من خيار أمام اليمين الإسرائيلي المتطرف ولو شاركته فئاتٌ معارضة في حكومة الحرب، إلا التدمير العبثي تمهيداً لما يُحكى عن “هجوم بري” على غزة، لا يزالُ افتراضياً حتى الساعة.

فالمجازر الإسرائيلية اليومية باتت في حكم المسلمات في عالم لا يعرف إلا لغة القوة. لا توفر المقاتلات الإسرائيلية لا مسجداً ولا مستشفى ولا كنيسة، مع ارتكابها مجزرة جديدة أمس باستهداف الكنيسة الأرثوذكسية في غزة. أما الإجتياح البري، فلا تزال فصوله غامضة حتى اللحظة. ذلك أنه على الرغم من القوة التدميرية الكبيرة للدبابات الإسرائيلية، فإنَّ دون تدميرِ أنفاق الفصائل الفلسطينية واقتلاع البنية التحتية العسكرية لكتائب القسام، عقبات كبرى وخسائر بشرية هائلة، تراهن عليها المقاومة الفلسطينية في جولات القتال القادمة

وفي وقت تتزايد الهواجس اللبنانية من تحول اشتباكات “حرب الإستنزاف” الجنوبية هجوماً شاملاً، وفي موازاة استمرار دعوات سفارات غربية رعاياها لمغادرة لبنان، فإن المقاربة العملياتية باتت أوسع من لبنان والجبهة الجنوبية. المخاوف مشروعة ولا شك. لكن حزب الله لم يُعرف عنه أنه لاعبٌ سياسي وعسكري انتحاري أو فوضوي، ولا الحرب في غزة تسمح لإسرائيل بترف المغامرة بمشاهد حربية لم ترها من قبل، وليس بالتأكيد سكان الجليل والمستوطنات الشمالية، التي بدأ إفراغها كما حصل اليوم مع كريات شمونة

الأهم في هذه القراءة، هو بدء المحور الحليف لإيران بإرسال الإشارات المكثفة إلى ضرورة احترام الخطوط الحمر، قبل فتح جبهة واسعة من اليمن إلى العراق. فالصواريخ التي قال البنتاغون إنه اعترضها في طريقها إلى إسرائيل، هي إشارة للقوات الأميركية والبحرية الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج، أكثر منها إلى إسرائيل. وفي موازاة ذلك، شكل تعرّض قواعد عسكرية أميركية في العراق محاكاةً لما يمكن أن يتحول إليه الميدان العسكري، في حال إصرار إسرائيل على استئصال حماس نهائياً، ناهيك عن توجيه ضربة قوية لحزب الله.

وعلى الخط الدبلوماسي، حط رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك في القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ذلك أن القاهرة تشكل محور لقاءات وتجمعات، سيكون أبرزها قمة السلام التي دعت إليها غداً السبت لاقتراح حلول للأزمة الفلسطينية، والتي ستضم لائحة من دول متوسطية وخليجية، كتركيا وإيطاليا واليونان وقبرص وقطر والإمارات والسعودية والأردن والبحرين، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

وقد تحولت مخاوف دول الطوق المطبعة مع إسرائيل وتحديداً مصر والأردن، إلى كابح علمي لمخططات الجنون اليميني الإسرائيلي بتهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء أو الأردن. ذلك أن التلاعب الديموغرافي وإنشاء مساحات جغرافية وبشرية لتوتر أمني جديد، هو آخر ما تريده كل من القاهرة وعمان، لا بل أنها تعتبر تجاوزه مساً بالأمن القومي والوجودي. ومن هنا، تتكرس حدة الحرب الراهنة، طالما أنها لم تصل بعد إلى الذروة في الإشتباك، ولا في الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، وفي ظل شبه غياب لجهود دبلوماسية أميركية وغربية فاعلة.

Share.
Exit mobile version