حدّد الرئيس الأميركي جو بايدن هدفين لأسطوله الحربي في المتوسّط: توفير الدعم لـ”إسرائيل” في حرب الإبادة التي تشنّها ضد الشعب الفلسطيني. ومنع “توحيد الجبهات”، وتحذير “الآخرين” من التورط ضدّ “إسرائيل”.

لاقى كلامه استحساناً في بيئة العدو، واستهجانا في البيئة الفلسطينيّة، واستفهاما في البيئة العربيّة ـ الإسلاميّة.
أولى الملاحظات أنه لم يكن مقنعاً. كان صادقاً في دعمه لـ”إسرائيل”، إلاّ أن الأهداف الكبرى، التي جاء من أجلها أسطوله، أبعد من أفق العدو ومطامعه، وستكشفها الأيام، وما قد تحمل من مستجدات.

ثانياً: كان فئويّاً منحازاً، إستفزّ خطابه غالبيّة الشعوب العربيّة والإسلاميّة.
ثالثاً: كان وصوليّاً، أراد أن يستثمر انتخابيّاً، ويحظى بتعاطف يهود أميركا، ودعم منظمة “إيباك”، والتنظيمات اليهوديّة الأخرى، في حملته الإنتخابيّة التي باتت على الأبواب، من خلال سخاء الدعم الذي وعد بتقديمه لـ”إسرائيل” كي تستمر في تنفيذ مخطط التدمير للتهجير.
وفيما كانت طائرات الموت تعربد في سماء غزّة، كانت إشادة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسياسة النفطيّة التي يمارسها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي أبقت على التوازن في أسواق الإستهلاك، وعلى الأسعار التجاريّة المقبولة.

وتزامنت شهادة الرئيس الروسي مع سلسلة من الإجتماعات المكثّفة التي عقدها خبراء منظمة “أوبك +” بهدف متابعة التطورات العسكريّة الميدانيّة في الشرق الأوسط، وانعكاساتها المحتملة على منسوب الطاقة الذي يرفد الأسواق العالميّة. وبرز تخوّف جدّي لدى محافظي المنظمة من تفاقم الحرب الإسرائيليّة – الفلسطينيّة، وطول أمدها، إلى جانب الأزمة الأوكرانية، بما ينعكس سلباً على استقرار الموارد، والأسعار في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة الصعبة لدى الدول الصناعيّة الكبرى، والعديد من دول العالم التي تعتمد الأنظمة الديمقراطيّة، وتقرّ بمبدأ المساءلة والمحاسبة.
وينبع تخوّف محافظي “أوبيك +” من تقرير تداولته اللجان الفرعيّة المتخصصة بمتابعة المؤثرات العالميّة على أوضاع الطاقة، ويدور حول “السياسة الأميركيّة الجديدة في الشرق الأوسط، والمحمولة على متن حاملة الطائرات، والبوارج العسكريّة، لوضعها موضع التنفيذ”.
ومن بين أولويات هذه السياسة:

– وضع حدّ لخطّة “الحزام والطريق” في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج العربي. وصدّ التمدد الإقتصادي ـ الإستثماري ـ الدبلوماسي الصيني في المنطقة.
– الدخول في مفاوضات جديّة مع طهران، إما مباشرة، أو عن طريق طرف ثالث، الدوحة مثلا، أو مسقط، أو عاصمة إقليميّة أو أوروبيّة، حول تحرير النفط الإيراني من العقوبات الأميركيّة، وفتح أبواب التصدير والاستثمار بحريّة… مقابل شرطين: نقض الإتفاق الإستراتيجي مع الصين والمحدد بـ25 عاماً، ومنع الأخيرة من الإستفادة من الطاقة الإيرانيّة. وأن تكون فرص ومجالات الإستثمار الجديدة متطابقة والمصالح الأميركيّة على مستوى الطاقة، منسوباً وتوزيعاً، وضبط أسعار.

– ممارسة الضغط على المملكة العربيّة السعوديّة لكي تتخلّى هي الأخرى عن إتفاقاتها مع الصين بشأن الطاقة، وتعود إلى دائرة التشاور والتنسيق مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بأسواق الاستثمار، ورسم الخطوط العريضة للسياسة التي يفترض أن تتبعها ” أوبيك +”.

– توفير المزيد من الفرص والضمانات المؤاتية لـ”مشروع غاز شرق المتوسط” الذي يفترض أن يمدّ أسواق الإتحاد الأوروبي، بما يكفي من مخزون الطاقة، تعويضاً عن الغاز الروسي، وعن سائر التداعيات السلبيّة الأخرى الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وتأثيراتها المباشرة على حركة العرض والطلب في الأسواق.
والمعروف أن “غاز شرق المتوسط” يعتبر مشروع المستقبل بالنسبة لـ”إسرائيل”، وهي التي تخطط له منذ سنوات مع كلّ من مصر وقبرص واليونان، وصولاً إلى إيطاليا، وسائر أوروبا، كي يكون الأضخم، والأوفر فرصا للاستثمار، ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل على مستوى الدول المصدّرة، وتلك المستهلكة.

إن عودة الطموح الأميركي على متن البوارج الحربيّة إلى الشرق الأوسط، للإستئثار والإستثمار في منابع الطاقة، تشكّل هدفاً ضمن مجموع “بنك الأهداف” التي تسعى الإدارة الأميركيّة إلى تحقيقها، بهدف تسجيل رميتين بمرمى واحد: إبعاد التنين الصيني عن موارد المنطقة، وأسواقها الواعدة. والتحكم من جديد بالمفاصل الأمنيّة والسياسيّة والإقتصاديّة لدول المنطقة، ولكن هذه المرّة بقبضة مصفّحة…

هل تنجح البوارج الحربيّة الأميركيّة في تحقيق ذلك؟!

إن مسار الحرب في غزة، وما بعد غزّة، وربما ما بعد بعد غزّة، هو الذي يوفّر العناصر الموضوعيّة للجواب…
لقد اتفق الرئيس جو بايدن مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو على تغيير شكل الشرق الأوسط… بقي علينا أن ننتظر لمعرفة الشكل الجديد لهذا الشرق الأوسط.. وكيف سيتم؟ وهل الطريقة والأسلوب والنتائج مضمونة..

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version