بفقدان الأمين العام لـ”حزب الله” الشهيد السيد حسن نصرالله، تكون المقاومة قد انتقلت من مرحلة إلى أخرى. طبعاً يحتاج الإنتقال إلى اكتمال عناصره التنظيمية والعسكرية والسياسية، التي تبدأ بسدّ الفجوات داخل هرم منظومة القيادة والسيطرة، مع الإعتراف بأنها تعرّضت لضربة قاسية. لكن، وعلى ما يتوفّر من معلومات، وهي بقدرٍ شحيح، أن المنظومة في طور التعافي، وعلى الأغلب إن مسار المعالجة سيأخذ وقتاً..
الجانب الآخر يتصل في التحوّل. إستشهاد “السيّد” ورفاقه نقطة أساسية في مسار الأحداث يجب أن تتعامل المقاومة معها رغم فداحة الخسائر.
عملياً أثبت “حزب الله” منذ فترة طويلة أنه تنظيم صلب قادر على التعامل مع الخسائر وملء الفجوات. بناءً عليه، لا بدّ من الإنتقال في المسار سواء الحربي أو العسكري إلى مستوى آخر، طالما أن بنيامين نتنياهو أطلق معركةً تتعلق بوجود الحزب وتشمل إعادة هندسة المنطقة. ولهذه الغاية يضرب كل المبادرات التي يعمل عليها من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار.
من الطبيعي أن الضربة التي تعرض لها الحزب باغتيال قيادته المركزية على رأسها الشهيد “السيّد” كانت لتتسبّب بانهيار جيش كامل، والقصد ليس فقط في ما يتصل بهجوم شنّته المقاتلات الإسرائيلية يوم الجمعة الفائت على مقر قيادة يعود للحزب، إنما في ما سبق من هجمات مبرمجة ومتدرّجة، من تفجير أجهزة الإتصال وصولاً لاستهداف قادة الرضوان وقتلهم، وهذا يأتي من ضمن سلسلة مترابطة هدفها إضعاف المقاومة وإخراجها عن نطاق السيطرة والتحكّم، واستفراد من تبقّى من قادتها وعزل عناصرها وكسر معنوياتهم. وقد استفاد العدو من حالة الإرباك التي نشأت عن إعلانه استهداف السيد، بأن شنّ حملات قصف عنيفة ومتتالية طالت الضاحية. وهنا يمكن الإفصاح عن جملة أسباب لحملته:
1. كسر المعادلة التي أرساها السيد بأن الضاحية مقابل تل أبيب.
2. تعميم الشعور بالسقوط أو الإنكسار، وتكريس نظرية تفوّق لديه بتكريس سيطرة عسكرية على الضاحية.
في السياق نفسه، فإن تدرّج العدو في استهدافاته، يُنذر بأنه يعمل من ضمن أجندة لا يغفل عنها مسألة التحرّك برياً تجاه قرى الحافة الأمامية، لذلك قام ويقوم بعمليات التمهيد الناري، وفي جزء منها ما يرتبط بتصاعد الضربات تجاه منطقة البقاع تحديداً خلال اليومين الماضيين بهدف قطع خطوط الإمداد وعمليات الإستهداف لبعض الطرقات الواصلة بين القرى جنوباً بقصد عرقلة تقطيع أوصالها.
لا يمكن إغفال أن الحزب، قوّة عسكرية ذات بعد عقائدي من الصعب تفكيكها بأسلوب الضغط العسكري المتصاعد، أو من خلال ضرب صف قيادتها أو “فرط” وحداتها العسكرية أو تشتيت عناصرها أو دفعها نحو الإستسلام، إنما ما يظهر من وقائع يشير إلى أن المقاومة باتت تمتلك دافعاً قوياً للثأر والإنتقام، وهذا يولّد لديها ضرورات بالإنتقال في الحرب إلى موجة ثانية مختلفة كلياً، تبقي على قاعدة الإسناد التي أرساها السيّد طوال 11 شهراً من المواجهة، لكنها تنتقل بها إلى مستوى مختلف تماماً من خلال التركيز على العنصر الميداني العملياتي المرتبط بالمضي نحو المعركة البرية، تحت عنوان أن المواجهة أصبحت على قاعدة “المعركة الوجودية”، في ظل اندفاع إسرائيلي قوي مبني عن النتائج المحقّقة من قبله للتخلص من معضلة “حزب الله” الإستراتيجية عند الحدود، وإعادة مستوطني الشمال عبر الآلة العسكرية وفرض حزام أمني في الجنوب ضمن مساحة معينة.
ليس من المبالغة القول إن الوحدات العسكرية المنتشرة عند الحافة الأمامية بشكلٍ خاص أو عند الجهة الجنوبية بشكلٍ عام، تعاملت مع الأحداث المتسارعة بهدوء، وقد استأنفت إطلاق الصواريخ وشنّ الهجمات رغم قساوة الضربات. وعلى ما يمكن تجميعه من معلومات، ما تزال وحدات المقاومة قادرة على التواصل في ما بينها أو على الأقل مع غرفة العمليات، بدليل الإستهدافات سواء عبر السلاح المُسيّر أو الصاروخي، الذي أصاب أمس أهدافاً حيوية يحتاج الوصول إليها إلى توفّر معلومات مصدرها غرفة تحكم.
بناءً على كل ذلك، فإن الجبهة مقبلة على توسيع العمل العسكري والدخول في مواجهة طالما أن المعطيات المتوفرة حالياً تشير إلى أن تموضعات القوات الإسرائيلية عند الحدود إنتقلت إلى المستوى الهجومي وليس الدفاعي.
كل ما يتقدم هدفه في النهاية فرض شروط التنازل على “حزب الله”، أو دفعه للإستسلام أو قبول الدخول في تسوية “تحت النار”، من شروطها الإقرار بالهزيمة والقبول بالإنسحاب من جنوب الليطاني (ربما أبعد) وفك الإرتباط مع قطاع غزة.
بكل بساطة إننا على حافة مواجهة ثأرية بامتياز بعناوين سياسية وعسكرية كبيرة, ليس فيها مكان لفكرة انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني أو سواه، ولا بإلغاء الحزب من الوجود أو الحد من تأثيره السياسي الداخلي، لا بالإتفاق ولا تحت القصف أو من خلال الضغط العسكري، ولا مكان لفكرة ضرب قدرات المقاومة العسكرية أو الصاروخية.
في أدبيات المقاومة الآن، أن لحظة اغتيال الشهيد السيّد هي لحظة الإنتقال في الحرب إلى مستوى آخر.