تقرير “بنك عوده” عن القطاع العقاري في لبنان: يبقى استثماراً قيّماً في المدى المتوسط والطويل
– صدر عن بنك عوده تقريره الجديد حول “القطاع العقاري في لبنان” والذي أشار فيه إلى أنّ القطاع في لبنان تعرّض لضغوط لافتة منذ اندلاع الأزمة في العام 2019، حيث سُجّل تقلص في الطلب بشكل شامل. ويأتي هذا التقلص في ظل الانخفاض الملحوظ في القوة الشرائية لدى الأسر نتيجة تدهور سعر الصرف وعدم توفّر فرص الاقتراض، وعدم التوازن بين كلفة المعيشة والدخل. في التفاصيل، انخفض عدد المبيعات العقارية بنسبة 22.4% في الأشهر السبعة الأولى من العام 2024 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019. توازياً، تلقى الطلب على المساحات المكتبية الانتكاسة الأكبر جراء الأزمة، إذ سجّلت أسعارها أكبر ثغرة بالمقارنة مع مستوياتها في العام 2019، حيث بقي العديد من المساحات المكتبية خالياً، ولا سيما في العاصمة.
من ناحية العرض، ازداد الركود في القطاع في لبنان منذ اندلاع الأزمة في العام 2019، وقد تفاقم مؤخراً بشكل أكبر مع اندلاع الحرب. إذ أظهرت آخر الأرقام الصادرة عن نقابة المهندسين في بيروت انخفاضاً في رخص البناء بنسبة 9.9% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2024 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019. توازياً، فإنّ تسليمات الإسمنت، والتي تعطي مؤشراً على المشاريع القائمة، انخفضت بنسبة 26.5% بين عامي 2019 و2023، وذلك وفق آخر الإحصاءات الصادرة عن مصرف لبنان. إذ بلغت تسليمات الاسمنت في العام 2023 زهاء 2354.6 ألف طن مقابل 3203.0 ألف طن في العام 2019.
ويضيف التقرير أنه على الرغم من احتدام الصراع في المنطقة منذ تشرين الأول 2023، وتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الداخل اللبناني، بينما يسود مستوى مرتفع من الضبابية، لم تطرأ تغيرات تذكر على أسعار العقارات في لبنان خلال العام 2024. ففي حين أثّرت المخاطر الجيوسياسية المرتفعة بشكل سلبي على المناخ الاستثماري عموماً خلال العام الحالي، إلا أنّ السوق العقارية في لبنان تمكنت من المحافظة على مستوى الأسعار الذي وصلت إليه في صيف العام 2023، أي قبل اندلاع الحرب، علماً أنّ حوالي 10% فقط من مالكي العقارات السكنية الذين كانوا ينوون البيع دأبوا على بيع وحداتهم بأسعار مخفّضة. ويشير العدد القليل من اتفاقيات البيع التي تمّ إبرامها هذا العام إلى أنّ أسعار المبيع جاءت أقل بنسبة 50% عما كانت عليه قبل تشرين الأول 2019. ففي الواقع، لم يقم سوى البائعين الذين هم بحاجة ماسة للدولار النقدي بعرض وحداتهم السكنية بأسعار مخفّضة، بينما أظهر المحظيّون من المقيمين الذين يتوفّر لديهم الدولار النقدي والمغتربون بعض التريّث في إتمام عمليات الشراء، إذ فضلوا الانتظار إلى حين تحسّن الأوضاع الأمنية الداخلية وفي المنطقة، رغم ما يمكن أن يستتبع ذلك من ارتفاع نسبي في أسعار العقارات، إذ رأوا أنّ هذا الخيار يبقى أفضل من توظيف أموالهم في بلد يقع على شفير الحرب.
وفي نظرة استشرافية يرى تقرير “بنك عوده” أنّ القطاع العقاري في لبنان هو مرآة للأوضاع الاقتصادية والسياسية عموماً في المدى المنظور. وتبقى آفاقه رهن سيناريوهات مختلفة محتملة على المستويين السياسي والاقتصادي سوف تترك بصماتها على أسعار العقارات وأوضاع السوق. وتتمحور توقعات بنك عوده الماكرو-اقتصادية للأشهر الاثني عشرة المقبلة حول ثلاثة سيناريوهات: السيناريو الإيجابي المحتمل حصوله بنسبة 20%، السيناريو السلبي مع احتمال حصوله بنسبة 30%، والسيناريو الوسطي الذي يعدّ السيناريو الأساسي بنسبة 50%. ففي حال توفّر السيناريو الإيجابي على المستويين السياسي والاقتصادي، سيزداد الطلب بشكل لافت ما سيرفع أسعار العقارات، وستسهم عوده القروض السكنية في هذا الأمر. أما في حال حصول السيناريو السلبي، فسيتقلص الطلب، وستظهر عروض للبيع، ما سيضغط نزولاً على القطاع العقاري والأسعار بشكل عام. وأخيراً، يفترض السيناريو الوسطي استقرار سوق العقارات وبقاء الأسعار على وضعها الحالي.
ويختم التقرير أنّه في المدى الطويل، مما لا شك فيه أنّ العقار في لبنان يبقى استثماراً قيّما. وتتعزز هذه النظرة في المدى المتوسط والطويل في حال تحقّق سيناريو مرتبط بانتهاء الحرب وسيناريو التسوية السياسية. إن أسعار العقارات في لبنان لا تزال أقل عما كانت عليه قبل الأزمة بشكل ملموس، ما يشير إلى وجود فرصة دفينة وإمكانية تحقيق مكاسب ملحوظة في حال استتبت الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية. إن النمو البطيء في العرض خلال السنوات الخمس الماضية، وظهور عدد محدود من المشاريع، إنما يشير إلى إمكانية حصول قفزة في أسعار العقارات في حال عودة الثقة، وذلك لأسباب تقنية مرتبطة بالثغرة المحتملة بين الطلب والعرض بشكل عام.