احتاج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشهرين تقريبًا قبل أن يحسم أمره، ويعلن اسم المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذا التعيين لا يضمن التهدئة في ساحة سياسية تعرف حالة غليان متصاعدة.

ولا شك أن رئيس الوزراء المكلف ميشيل بارنييه يمتلك خاصيات تجعل منه سياسيًا قادرًا على قيادة المرحلة، وضبط التوازنات اللازمة، غير أنّ مواقف القوى السياسية، خاصة من اليسار، تُضعف من فاعلية هذه الخاصيات التي كانت سببًا في نجاحه سابقًا في مهامه صلب مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

مفاوض و”براغماتي”

حظي بارنييه، وهو عضو في حزب الجمهوريين اليميني، بالثناء في بروكسل لصفاته كمفاوض، وما يُعرف عنه أنه “براغماتي”.

ونجح بارنييه في التفاوض على شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيكون، اليوم، مطالبًا باستخدام كل مهاراته الدبلوماسية لقيادة “حكومة أقلية” في الجمعية الوطنية.

ويصفه السيناتور أنييس إيفرين بأنه “إحدى الشخصيات السياسية النادرة التي تمكنت من إظهار خبرة قوية على المستويات الإقليمية، والوطنية، والأوروبية”، مستحضرًا “أسلوب بارنييه” الذي “يجمع بين احترام محاوره وصلابة قناعاته”، وفق تعبيره.

ولا شك أن هذه الصفات أغرت الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي أمضى أسابيع بحثًا عن شخصية قادرة على تشكيل حكومة يمكنها الصمود في وجه مخططات إسقاطها في البرلمان، لكن بارنييه حظي بالاستحسان في بروكسل أكثر من باريس.

والرجل الذي دخل معترك الحياة السياسية، منذ العام 1973، ويوصف بأنه “آخر الديغوليين” أمضى عقودًا من السير في أروقة السلطة، في باريس وبروكسل، وبنى هذا الرجل ذو القامة الطويلة والشعر الأشقر “سمعة طيبة في الإصغاء والجدال والسعي إلى الإقناع” كما يقول مراقبون.

من بروكسل إلى باريس

لكن الوضع في باريس غير بروكسل، فالقوى المتربصة بحكومة بارنييه غير المشكّلة حتى الآن كثيرة، بدءًا بالجبهة الشعبية الجديدة التي لوّحت بـ “محاربة” هذه الحكومة، وصولاً إلى “الأقلية الصامتة” التي لم تعلن حتى الساعة موقفها من هذا التعيين، وقد يكون تصويتها حاسمًا لمنح الثقة لبارنييه أو لإسقاطه، خاصة إذا ما فشل المعسكر الرئاسي في ضم أصوات يمينية أخرى، غير أصوات حزب الجمهوريين.

وبدأ بارنييه مناقشاته مع ممثلي الكتل البرلمانية اليوم مع حزبه (الجمهوريين) ووصف المناقشات بأنها “إيجابية” و”مليئة بالطاقة”، غير أن القادم سيكون أعسر على المرشح لرئاسة الحكومة، ويبدو أنّ حجر العثرة الأبرز في طريق بارنييه إلى قصر “ماتينيون” سيكون ائتلاف اليسار، الذي يُبدي إصرارًا على “محاربة” هذه الحكومة وإسقاطها باعتبارها “فاقدة للشرعية”.

ويبقى مصير حكومة بارنييه مرتبطًا بما إذا كان معسكر ماكرون سينجح في استمالة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وإقناعه بالتصويت لها، وإذا نجح هذا السيناريو سيكون المشهد السياسي الفرنسي فريدًا، ومكونًا من “حكومة أقلية” بدعم أو بتحالف “غير منطقي” بين معسكر الوسط واليمين المتطرف، ومعارضة هي صاحبة الكتلة البرلمانية الأولى.

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version