مجلس الأمن الصامت على القهر والشاهد على الظلم
ان المأساة الانسانية التى تحصل بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية جراء الامعان المتمادي في القتل والتدمير والتهجير من قبل مكوني الحكومة الاسرائيلية وداعميها ، و السفك المروع لدماء المدنيين العزل تحت الاحتلال الاسرائيلي تعيد طرح اشكاليات محورية و جدلية في تجانس الانتظام الدولي و استوائه في مقاربة القضايا الدولية ، اقله على مستوى جدوى الصلاحيات الموكلة لبعض الاجهزة الاممية و حجم أدوارها ، واستمرارها وتحديدا فاعلية مجلس الامن الدولي ، الجهاز الاكثر نفوذا في صيت حضور الدول الكبرى وسطوتها الآمرة فيه وتأثيرها المحكم في سياق توالد الحوادث والوقائع و انعكاساتها ما يجعل وجودها اكثر تاثيرا في صناعة القرارات الدولية و اشد امساكا فيها ، من بين الاجهزة الاخرى الدولية لمنظمة الامم المتحدة .
ان القضية الفلسطينية اثبتت اشهار تلبس الدول الكبرى بالسيطرة العلنية على هذه المنظمة واستخدامها وأجهزتها لتنفيذ سياساتها الخاصة ومآربها الخارجية القائمة على الارتدادات المستمرة لنتائج الحرب العالمية الثانية في رسم الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية ، والتى تشكل اقامة الدولة الاسرائيلية على ارض فلسطين احد ابرز تداعياتها التكوينية ، ان فظاعة الجرائم الإسرائيلية التى ارتكبت بحق غزة و اهلها وسكانها كشفت بوضوح عن زيف معظم الحكومات الغربية وانحطاط “المجتمع الدولي “، ، و ان “الاخلاقيات والقيم ” مثاليات وهمية تشهد على النفاق الخبيث في التعامل مع القضايا الإنسانية مثل قضية فلسطين و إزدواجية معاييره ، ويعزز حضور هذا المآل ان ابرز الدول المنادية بالنظم الديموقراطية، والشفافية وحقوق الانسان ، و فرض حكم القانون الدولي ، هي ذاتها التى تتخذ من مجلس الامن الدولي واجهة شديدة التورية لتنفيذ سياساتها الخارجية حتى يبدو الانفصام واضحا بين تكوين هذه القوى ذات الايديولوجيات المتنوعة و المبطنة بشعارات عابرة للحدود ، و بين الاهداف الواقعية التى تتوسل السبل كلها لتحقيقها .
لاشك ان عجز مجلس الامن لا بل فشله نتيجة تركيبته المحكومة بتفرد اتخاذ القرار بين اعضائه الخمسة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ، يطيح بالمقام الاول بعدالة القانون الدولي و يدفع الى اليأس من هذه المنظمة و من اجهزتها التى اوهنتها القضايا العالمية وازماتها والتى استحالت عليها الحلول ولو بشكلها الجزئي . اذ ان القرارت الدولية رهن اللاعبين الخمسة مقابل مئة وثمان وثمانين دولة اخرى. لم يتسنّ لستين دولة منها ان تحظى منذ تاسيس مجلس الامن بمقعد غير دائم على طاولة المجلس . وان ثلاث دول دائمة العضوية هي من نصيب اوروبا وحدها القارة المُطلقة لحربين عالميتين الاكثر دموية في تاريخ البشرية في حين ان القارة الأفريقية محرومة حتى من عضوية الدول الاحتياط داخل المجلس ،
من هنا يعاد طرح تعديل تركيبة مجلس الامن وعدم اقتصارها على الدول الخمس المتنفذة فيه والفاعلة في صناعة قرارته وان الاصلاح يتمحور في تعزيز سلطته بشكل اكثر عدالة عبر تحسين طابعه التمثيلي و توسيعه ( مجلس الامن )، و زيادة عدد اعضائه الدائمين وغير الدائمين ،
فضلا عن ارتفاع الاصوات الخافتة المطالبة بالغاء ما يسمى حصرية النقض الفيتو veto المفردة ذات الاصل اللاتيني ومعناها “انا امنع ” او توسيع عدد الدول الممنوحة لها ، لان ” حق النقض “، يثبت تسلط المختلفين و المتوافقين من الدول الخمس دائمة العضوية وتبعية الدول المارقة العضوية بايقاع عمل مجلس الامن و مساحة قدراته الذاتية .
بلا مواربة انه من الامور الشائعة الاستعمال ، استخدام عبارة” نقض “وهي مفردة لم ترد في ميثاق الامم المتحدة ابدا ، بل ذكر “حق الرفض “، وهي مفردة النقض تتضمن سلطة الولاية والتحكم من قبل الخمسة الكبار المنتصرين في الحرب والصانعين لمفاهيم السلام في مفاصل الحوادث وانتظامها او تفلتها على حد سواء
ان مجلس الامن مصاب بالهرم المبكر بشيخوخة مزمنة باداء المهام ليتحول وعاء امميا يشهد بصمت ، على ظلم المقهورين ولا يشهد على القتلة .
ان أسوأ كارثة انسانية شهدها العالم المعاصر ويشهدها ، ترتكب اليوم في غزة بحق الفلسطينيين الابرياء من قبل بنيامين نتنياهو وحكومته . فعلى مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلومترا مربعا ، وعدد اهلها وسكانها حوالي مليوني نسمة سقط اكبر عددمن الضحايا على المتر المربع الواحد
واذا قيس عدد الشهداء والضحايا الفلسطينيين على هذه البقعة الجغرافية المقدر بمئة وثلاثة وثلاثين الف شهيد وجريح ، و عشرة الاف مفقود ، مع من سقطوا في الحرب العالمية الثانية ، فان نتيناهو تفوق باجرامه على ادولف هتلر وكل مجرمي الحروب مجتمعين. و الافظع من هذه المأساة ان مجلس الامن هو اليوم الاكثر عجزا والمسؤول الاول عن الفشل في تحقيق السلم والامن الدوليين.
ان مجلس الأمن بدا عاجزا كليا عن إلزام إسرائيل باحترام قراراته او تنفيذها. فمنذ صدور قرار مجلس الامن رقم 56 في عام 1948 وحتى تاريخه، أي القرار رقم 2712 في آخر عام 2023، صدر عن مجلس الامن 55 قرارا يتعلق بالقضية الفلسطينية. وصدر منذ عام 1947 وحتى تاريخه، عن الجمعية العامة للامم المتحدة والهيئات المرتبطة بها حوالى 29 قرارا”.
د. حسّان فلحه – النهار