لبنان يراقب تأثير مرحلة الانتخابات الأميركيّة إيرانيّاً وإسرائيليّاً
تعيش منطقة الشرق الأوسط شاخصة نحو تطوّرات فترة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة التي تترك تأثيرات على المجال الإقليميّ وكيفية تحريك الأوراق السياسية من إيران وصولاً إلى إسرائيل ما يجعل لبنان في خضمّ استطلاع التطورات. لا تخفي طهران مرونتها الحالية في التعامل مع الإدارة الأميركية الديموقراطية حيث يشكّل البحث عن سبل إعادة ضخّ التفاوض حول الملفّ النووي الإيرانيّ المسألة الأكثر أهمية التي تطمح إليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه المرحلة إضافة إلى رفع العقوبات المالية عنها، وثمة من يستطلع أنّ النظام الإيراني ينحو في اتجاه تهدئة للأوضاع في المنطقة والتغافل الذي يمكن أن يطول عن الردّ على اغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية مع بحث عن كيفية تحقيق خروقات في ملفات عدّة تجري المشاورات حولها في خضمّ المحادثات الجارية بين طهران والإدارة الأميركية الحالية. وهناك من يرجّح ألّا تتوانى طهران عن تقديم تنازلات سياسية لمصلحة الإدارة الأميركية الديموقراطية الحالية على مقربة من الاستحقاق الرئاسيّ الذي تنهمك فيه الولايات المتحدة الأميركية مع تخفيف طهران لأيّ اشتعال إقليميّ رغم تلاحق المناوشات الحربية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية التي لا تتحوّل حرباً أكثر احتداماً على مستوى المنطقة. فهل يشير ذلك إلى التعامل الإيراني بأريحية أكثر مع الديموقراطيين وتحبيذ وصول المرشّحة كامالا هاريس إلى الرئاسة الأميركية؟ ثمة من يعتبر على نطاق من يراقب التطوّرات السياسية بعد اغتيال اسماعيل هنية، أنّ إبقاء طهران على المهادنة بعيداً عن أيّ تسبّب باشتعال إضافيّ في المعارك الحربية يأتي في خضمّ فترة الانتخابات الأميركية.
لقد شكّلت التصريحات الإيرانية مرونة واضحة في الأسابيع الماضية أبعدت شرارات الاشتعال الاقليميّ مع تأجيل الردّ على اغتيال هنية، وذلك شمولاً بما قاله المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني علي محمد نائيني، بأنّ فترة انتظار ردّ إيران على إسرائيل قد تكون طويلة، لكنّه زعم أنّ الوقت في مصلحة طهران ملوّحاً بتحضير ردّ محسوب، فيما نقلت وسائل إعلام إيرانية رسميّة عنه أنّ “القادة الإيرانيين يدرسون كلّ الظروف وأنّ ردّ إيران لن ينتهج أساليب العمليات السابقة نفسها”. وكان بارزاً أيضاً ما صرّح به رئيس الحرس الثوري الإيراني السابق محسن رضائي، الذي قال: “إننا حقّقنا في العواقب المحتملة، ولن نسمح لنتنياهو بإنقاذ نفسه. ستكون الإجراءات الإيرانية محسوبة للغاية”. من ناحيته، كان المرشد الإيراني علي خامنئي قد حفّز الحكومة الإيرانية لإعادة العمل السريع على المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني. يأتي ذلك تزامناً مع إعلان وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف استمراره في العمل نائباً للرئيس للشؤون الاستراتيجية بعد استقالته سابقاً بسبب تشكيل مجلس الوزراء.
لبنانيّاً، لا يلغي من يراقب الأوضاع من ناحية معارضة لمحور “الممانعة” ترجيح إمكان أن تأخذ طهران قرار تسريع وتيرة المرونة السياسية في التعامل مع الإدارة الأميركية لأنها تحبّذ بقاء الديموقراطيين في الحكم تجنّباً لأربع سنوات للجمهوريين في البيت الأبيض، بما يمكن أن يشمل تسهيلات تقلّل من شروط محور “الممانعة” في منطقة الشرق الأوسط، قد تصل لبنان بما يخفّف من تعطيل استحقاقات أساسية من بينها انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، فيما عادت توازياً حركة سفراء “اللجنة الخماسية” لتبحث عن ترياق ديبلوماسي ناجع ينهي حال المراوحة في استحقاق الرئاسة اللبنانية. جاء ذلك تزامناً مع ضخّ إضافيّ للمفاوضات الهادفة لوقف إطلاق النار في غزّة مع مشاركة وفد أمني إسرائيلي في مباحثات كانت قد بدأت لهذه الغاية في القاهرة بمتابعة من الرئاسة الأميركية رغم عدم إحراز تقدّم حتى الآن. لكن الاستفهامات المطروحة تكمن في الجدوى من التنازلات الممكن اتّخاذها إيرانياً حتى وإن شملت إدخال مراقبين إلى المنشآت ذات الطابع النووي داخل إيران، وإبعاد “حزب الله” عن الحدود اللبنانية الجنوبية والعمل لتهدئة الوضع مع إسرائيل والتدخل مع حركة “حماس” على نطاق قطاع غزة لخفض أكبر لسقف الشروط. فهل تترك هذه التنازلات إن حصلت تأثيرات على الناخبين الأميركيين؟ وهل ستعمل طهران على اتخاذها إن لم تكن متأكّدة من جدواها وموافقة إسرائيل عليها؟
ثمة من يقلّل على مستوى معهد سياسي ناشط ومتخصّص في الشؤون الأميركية اللبنانية من أن يشكّل هذا الجانب الذي تواكبه السياسة الخارجية الأميركية حالياً اهتماماً أساسيّاً لدى الناخبين الأميركيين، سوى قلّة منهم ينحدرون تحديداً من أصول شرق أوسطية، ذلك أنّ النقاط الأساسية التي تترك تأثيرات لدى الناخبين الأميركيين في المرحلة الحالية خصوصاً، هي مواضيع داخلية تشمل التطلع لتطوير نوعية الحياة داخل الولايات المتحدة وتقوية الاقتصاد الأميركيّ ومكافحة التضخم الماليّ. وإذا فكّر النظام الإيراني في اتخاذ قرارات تنازلية فإنّ الاستفهامات تطرح أيضاً على ما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية التي يرجّح أن تبقي على “الستاتيكو” القتاليّ الحاليّ حتى ما بعد مرحلة الانتخابات الأميركية، حيث لن تكون هناك متغيّرات جذرية على مستوى اندلاع المواجهات إلا إذا استطاعت تل أبيب أن تحقّق كلّ مبتغياتها التي تشكّل شروطاً غير محصورة، مع سعيها لأن تختصر نتائج حرب غزة لمصلحتها بما يتأكّد من مواقف وزرائها ورئيس حكومتها. وإذ تبقى إسرائيل متكافئة تجاه الحزبين الأميركيين الديموقراطي والجمهوري، فإن أهداف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تلاقت بوضوح مع ما تضمّنه تصريح دونالد ترامب خلال لقائهما في مقرّ إقامة الأخير الذي انتقد مطالبة جو بايدن وكامالا هاريس المستمرّة بوقف إطلاق النار في غزة معتبراً أنّ نتنياهو يعرف ما يفعل. في المحصلة، الترجيحات مضمحلّة حيال إمكان بروز تطوّرات جوهرية في منطقة الشرق الأوسط أو انتهاء المواجهات الحربية في قطاع غزة والمناوشات القتالية في جنوب لبنان قبل موعد الانتخابات الأميركية.
المصدر – النهار